بل ممّا تحكم به العقول الخالصة من الأهواء وشوائب التقليدات(1). ثمّ من الواجب في هذا المقام أن تُذكر حقيقة الرؤية حتّى يبعد الاستبعاد عن الطبائع السليمة، فنقول: إذا نظرنا إلى الشـمس فرأيناها، ثمّ غمضنا العين، فعند التغميض نعـلم الشمس علماً جليّـاً. وهذه الحالة مغايرة للحالة الأُولى التي هي الرؤية بالضرورة، وهذه الحالة المغايرة الزائدة ليست هي تأثّر الحاسّة فقط ـ كما حُقّق في محلّه ـ، بل هي حالة أُخرى يخلقها الله تعالى في العبد، شبيهة بالبصيرة في إدراك المعقـولات. وكما إنّ البصيرة في الإنسان تدرك الأشياء، ومحلّها القلب ; كذلك البصر يدرك الأشياء، ومحلّها الحدقة في الإنسان. ويجوز عقلا أن تكون تلك الحالة تدرك الأشياء من غير شرط ومحلّ، وإنْ كان يستحيل أنْ (يُدرِك الإنسانُ بلا مقابلة)(2) وباقي الشروط عـادة. فالتجويز عقلي، والاستحالة عاديّة ; كما ذكرنا مراراً. فأين الاسـتبعاد إذا تأمّله المنصف؟! ومـآل هذا يرجع إلى كلام واحد قدّمنـاه.
(1) المواقف: 302 ـ 303، شرح المواقف 8 / 122 ـ 124 ملخّصاً. (2) في المصدر: تُدرك الأشـياء إلاّ بالمقابلة.