عدمه كما يحصل حال وجوده، فإنّ الواحد منّا يدرك جميع الموجودات بإدراك يجري مجرى العلم في عموم التعلّق.
وحينئذ يلزم تعلّق الإدراك بالمعدوم، وبأنّ الشيء سيوجد، وبأنّ الشيء قد كان موجوداً، وأن يُدرك ذلك بجميع الحواسّ، من الذوق والشمّ واللمس والسمع ; لأنّه لا فرق بين رؤية الطعوم والروائح، وبين رؤية المعـدوم!
وكما إنّ العلم باستحالة رؤية المعدوم ضروريّ، كذا العلم باستحالة رؤية الطعوم والروائح.
وأيضـاً: يلزم أن يكون الواحـد منّـا رائياً مع السـاتر العظيم البقّـةَ، ولا يرى الفيلَ العظيمَ ولا الجبلَ الشاهقَ مع عدم الساتر، على تقدير أن يكون المعنى قد وُجد في الأوّل وانتفى في الثاني! وكان يصحّ منّا أن نرى ذلك المعنى ; لأنّه موجود!
وعندهم أنّ كلّ موجود يصحّ رؤيته، ويتسلسل ; لأنّ رؤية المعنى(1)إنّما تكون بمعنىً آخر.
وأيّ عاقل يرضى لنفسه تقليد مَن يذهب إلى جواز رؤية الطعم والرائحة والبرودة والحرارة والصوت بالعين، وجواز لمس العلم والقدرة والطعم والرائحة والصوت باليد، وذوقها باللسان، وشمّها بالأنف، وسماعها بالأُذن؟!
وهل هذا إلاّ مجرّد سفسطة وإنكار المحسوسات؟! ولم يبالغ السوفسطائية في مقالاتهم هذه المبالغة!