وكذا في قوله تعالى: ( لن يتمنّوه أبداً... )(1) فإنّ المراد منه [تأبيد] نفي التمنّي مدّة الحياة، للعلم بأنّ اليهود في الآخرة يتمنّون الموت للتخلّص من عذاب الآخرة.
ثـمّ ما ذكره من إعظام الله تعالى سؤال الرؤية من اليهود في القرآن، والذمّ لهم بذلك السؤال، ولو جاز ذلك لَما استحقّوا الذمّ بالسؤال..
فالجواب: إنّ الاستعظام إنّما كان لطلبهم الرؤية تعنّتاً وعناداً، ولهذا نسـبهم إلى الظلم.
ولو كان لأجل الامتناع، لمنعهم موسى عن ذلك كما منعهم حين طلبوا أمراً ممتنعاً، وهو أن يجعل لهم إلهاً.
فلمّـا علمتَ أنّ العقـل لا ينـافي صحّة رؤية الله تعـالى، والنصوص لا تدلّ على نفيه، فقد تحقّقتَ أنّ ما ادّعاه هذا الرجل من دلالة الضرورة والنصّ، وتوافقهما على نفي الرؤية، دعوىً كاذبة خاطئة.
ولولا أنّ الكتاب غير موضوع لبسط الدلائل على المدّعَيات الصادقة الأشعرية، بل هو موضوع للردّ على ما ذكر من القدح والطعن عليهم، لَذكرنا من الدلائل العقلية على صحّة الرؤية، بل وقوعها! ما تحير به ألباب العقلاء، لرزانتها ومكان رصانتها!
ولكن لا شغل لنا في هذا الكتاب إلاّ كسر طامّات(2) ذلك الرجل ومزخرفاته، وبالله التوفيق.
(1) سورة البقرة 2: 95.
(2) الطامّة: الداهيةُ تَـغْلِب ما سواها، والأمر العظيم ; انظر: لسان العرب 8 / 202 ـ 203 مادّة " طَمَمَ ".