مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
في الوضع و البناء و أن يكون المراد كونهأولًا في كونه مباركاً و هدىً فحصلللمفسرين في تفسير هذه الآية قولان الأول:أنه أول في البناء و الوضع، و الذاهبون إلىهذا المذهب لهم أقوالأحدها: ما روىالواحدي رحمه اللّه تعالى في «البسيط»بإسناده عن مجاهد أنه قال: خلق اللّه تعالىهذا البيت قبل أن يخلق شياً من الأرضين، وفي رواية أخرى: خلق اللّه موضع هذا البيتقبل أن يخلق شياً من الأرض بألفي سنة، و إنقواعده لفي الأرض السابعة السفلى و رويأيضاً عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بنأبي طالب رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعينعن أبيه عن النبي صلّى الله عليه وسلّمقال: «إن اللّه تعالى بعث ملائكته فقالابنوا لي في الأرض بيتاً على مثال البيتالمعمور و أمر اللّه تعالى من في الأرض أنيطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيتالمعمور، و هذا كان قبل خلق آدم».و أيضاً ورد في سائر كتب التفسير عن عبداللّه بن عمر، و مجاهد و السدي: أنه أول بيتوضع على وجه الماء عند خلق الأرض و السماء،و قد خلقه اللّه تعالى قبل الأرض بألفي عامو كان زبدة بيضاء على الماء ثم دحيت الأرضتحته، قال القفال في «تفسيره»: روى حبيب بنثابت عن ابن عباس أنه قال: وجد في كتاب فيالمقام أو تحت المقام «أنا اللّه ذو بكةوضعتها يوم وضعت الشمس و القمر، و حرمتهايوم وضعت هذين الحجرين، و حففتها بسبعةأملاك حنفاء» و ثانيها: أن آدم صلوات اللّهعليه و سلامه لما أهبط إلى الأرض شكاالوحشة، فأمره اللّه تعالى ببناء الكعبة وطاف بها، و بقي ذلك إلى زمان نوح عليهالسلام، فلما أرسل اللّه تعالى الطوفان،رفع البيت إلى السماء السابعة حيالالكعبة، يتعبد عنده الملائكة، يدخله كليوم سبعون ألف ملك سوى من دخل من قبل فيه،ثم بعد الطوفان اندرس موضع الكعبة، و بقيمختفياً إلى أن بعث اللّه تعالى جبريلصلوات اللّه عليه إلى إبراهيم عليه السلامو دله على مكان البيت، و أمره بعمارته،فكان المهندس جبريل و البناء إبراهيم والمعين إسماعيل عليهم السلام.و اعلم أن هذين القولين يشتركان في أنالكعبة كانت موجودة في زمان آدم عليهالسلام، و هذا هو الأصوب و يدل عليهوجوهالأول: أن تكليف الصلاة كان لازماًفي دين جميع الأنبياء عليهم السلام، بدليلقوله تعالى في سورة مريم أُولئِكَالَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْمِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِآدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْآياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا [مريم: 58] فدلت الآية على أن جميعالأنبياء عليهم السلام كانوا يسجدون للّهو السجدة لا بد لها من قبلة، فلو كانت قبلةشيث و إدريس و نوح عليهم السلام موضعاً آخرسوى القبلة لبطل قوله إِنَّ أَوَّلَبَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِيبِبَكَّةَ فوجب أن يقال: إن قبلة أولئكالأنبياء المتقدمين هي الكعبة، فدل هذاعلى أن هذه الجهة كانت أبداً مشرفةمكرمةالثاني: أن اللّه تعالى سمى مكة أمالقرى، و ظاهر هذا يقتضي أنها كانت سابقةعلى سائر البقاع في الفضل و الشرف منذ كانتموجودةالثالث: روي أن النبي صلّى اللهعليه وسلّم قال في خطبته يوم فتح مكة «ألاإن اللّه قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض و الشمس و القمر» و تحريم مكة لايمكن إلا بعد وجود مكةالرابع: أن الآثارالتي حكيناها عن الصحابة و التابعين دالةعلى أنها كانت موجودة قبل زمان إبراهيمعليه السلام.و اعلم أن لمن أنكر ذلك أن يحتجبوجوهالأول: ما روي أن النبي صلّى اللهعليه وسلّم قال: «اللّهم إني حرمت المدينةكما حرم إبراهيم مكة» و ظاهر هذا يقتضي أنمكة بناء إبراهيم عليه السلام و لقائل أنيقول: لا يبعد أن يقال البيت كان موجوداًقبل إبراهيم و ما كان محرماً ثم حرمهإبراهيم عليه السلامالثاني: تمسكوابقوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُإِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِوَ إِسْماعِيلُ [البقرة: 127] و لقائل أنيقول: لعل البيت كان موجوداً قبل ذلك ثمانهدم، ثم أمر