مفاتیح الشرائع جلد 8
لطفا منتظر باشید ...
الجمع بمعنى و لا تؤمنوا لغير أتباعكم، إنالمسلمين يحاجونكم يوم القيامة بالحق ويغالبونكم عند اللّه بالحجة، و عندي أنهذا التفسير ضعيف، و بيانه من وجوهالأول:إن جد القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دينمحمد عليه السلام كان أعظم من جدهم في حفظغير أتباعهم و أشياعهم عنه، فكيف يليق أنيوصي بعضهم بعضاً بالإقرار بما يدل علىصحة دين محمد صلّى الله عليه وسلّم عندأتباعهم و أشياعهم، و أن يمتنعوا من ذلكعند الأجانب؟ هذا في غاية البعد الثاني: أنعلى هذا التقدير يختل النظم و يقع فيهتقديم و تأخير لا يليق بكلام الفصحاءوالثالث: إن على هذا التقدير لا بد من الحذففإن التقدير: قل إن الهدى هدى اللّه و إنالفضل بيد اللّه، و لا بد من حذف (قل) فيقوله قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِاللَّهِ الرابع: إنه كيف وقع قوله قُلْإِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ فيما بينجزأى كلام واحد؟ فإن هذا في غاية البعد عنالكلام المستقيم، قال القفال: يحتمل أنيكون قوله قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَىاللَّهِ كلام أمر اللّه نبيه أن يقوله عندانتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضعلأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولًاباطلًا لا جرم أدب رسوله صلّى الله عليهوسلّم بأن يقابله بقول حق، ثم يعود إلىحكاية تمام كلامهم كما إذا حكى المسلم عنبعض الكفار قولًا فيه كفر، فيقول: عندبلوغه إلى تلك الكلمة آمنت باللّه، أويقول لا إله إلا اللّه، أو يقول تعالىاللّه ثم يعود إلى تمام الحكاية فيكونقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَىاللَّهِ من هذا الباب، ثم أتى بعده بتمامقول اليهود إلى قوله أَوْ يُحاجُّوكُمْعِنْدَ رَبِّكُمْ ثم أمر النبي صلّى اللهعليه وسلّم بمحاجتهم في هذا و تنبيههم علىبطلان قولهم، فقيل له قُلْ إِنَّالْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ إلى آخر الآية.الإشكال الخامس: في هذه الوجوه: أنالإيمان إذا كان بمعنى التصديق لا يتعدىإلى المصدق بحرف اللام لا يقال صدقت لزيدبل يقال: صدقت زيداً، فكان ينبغي أن يقال: ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم، و على هذاالتقدير يحتاج إلى حذف اللام في قولهلِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ و يحتاج إلىإضمار الباء أو ما يجري مجراه في قوله أَنْيُؤْتى لأن التقدير: و لا تصدقوا إلا منتبع دينكم، بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم،فقد اجتمع في هذا التفسير الحذف و الإضمارو سوء النظم و فساد المعنى، قال أبو عليالفارسي: لا يبعد أن يحمل الإيمان علىالإقرار فيكون المعنى:و لا تقروا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلالمن تبع دينكم، و على هذا التقدير لا تكوناللام زائدة، لكن لا بد من إضمار حرف الباءأو ما يجري مجراه على كل حال، فهذا محصل ماقيل في تفسير هذه الآية و اللّه أعلمبمراده.ثم قال تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَبِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.و اعلم أنه تعالى حكى عن اليهودأمرينأحدهما: أن يؤمنوا وجه النهار، ويكفروا آخره، ليصير ذلك شبهة للمسلمين فيصحة الإسلام.فأجاب عنه بقوله قُلْ إِنَّ الْهُدىهُدَى اللَّهِ و المعنى: أن مع كمال هدايةاللّه و قوة بيانه لا يكون لهذه الشبهةالركيكة قوة و لا أثرو الثاني: أنه حكىعنهم أنهم استنكروا أن يؤتى أحد مثل ماأوتوا من الكتاب و الحكم و النبوة.فأجاب عنه بقوله قُلْ إِنَّ الْفَضْلَبِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ والمراد بالفضل الرسالة، و هو في اللغةعبارة عن الزيادة، و أكثر ما يستعمل فيزيادة الإحسان، و الفاضل الزائد على غيرهفي خصال الخير، ثم كثر استعمال الفضل لكلنفع قصد به فاعله الإحسان إلى الغير و قولهبِيَدِ اللَّهِ أي إنه مالك له قادر عليه،و قوله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ أي هو تفضلموقوف على مشيئته، و هذا يدل على أن النبوةتحصل بالتفضل لا بالاستحقاق، لأنه تعالىجعلها من باب الفضل الذي لفاعله أن يفعله وأن لا يفعله، و لا يصح ذلك في المستحق إلاعلى وجه المجاز و قوله وَ اللَّهُ واسِعٌ