لما حث سبحانه على الجهاد عقبه بما فيه منالفضل و الثواب فقال «لا يَسْتَوِيالْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» أي لايعتدل المتخلفون عن الجهاد في سبيل اللهمن أهل الإيمان بالله و برسوله و المؤثرونالدعة و الرفاهية على مقاساة الحرب والمشقة بلقاء العدو «غَيْرُ أُولِيالضَّرَرِ» أي إلا أهل الضرر منهم بذهابأبصارهم و غير ذلك من العلل التي لا سبيللأهلها إلى الجهاد للضرر الذي بهم «وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ومنهاج دينه لتكون كلمة الله هي العليا والمستفرغون جهدهم و وسعهم في قتال أعداءالله و إعزاز دينه «بِأَمْوالِهِمْ»إنفاقا لها فيما يوهن كيد الأعداء «وَأَنْفُسِهِمْ» حملا لها على الكفاح فياللقاء «فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَبِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَىالْقاعِدِينَ دَرَجَةً» معناه فضيلة ومنزلة «وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُالْحُسْنى» معناه و كلا الفريقين منالمجاهدين و القاعدين عن الجهاد وعده اللهالجنة عن قتادة و غيره من المفسرين و فيهذه دلالة على أن الجهاد فرض على الكفايةلأنه لو كان فرضا على الأعيان لما استحقالقاعدون بغير عذر أجرا و قيل لأن المرادبالكل هنا المجاهد و القاعد من أولي الضررالمعذور عن مقاتل «وَ فَضَّلَ اللَّهُالْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ» منغير أولي الضرر «أَجْراً عَظِيماًدَرَجاتٍ مِنْهُ» أي منازل بعضها أعلى منبعض من منازل الكرامة و قيل هي درجاتالأعمال كما يقال الإسلام درجة و الفقهدرجة و الهجرة درجة و الجهاد في الهجرةدرجة و القتل في الجهاد درجة عن قتادة وقيل معنى الدرجات هي الدرجات التسع التيدرجها في سورة براءة في قوله «ذلِكَبِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لانَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِاللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاًيَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَمِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَلَهُمْ» «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُأَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» فهذهالدرجات التسع عن عبد الله بن زيد «وَمَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً» هذا بيان خلوصالنعيم بأنه لا يشويه غم بما كان منه منالذنوب بل غفر له ذلك ثم رحمه بإعطائهالنعم و الكرامات «وَ كانَ اللَّهُغَفُوراً» لم يزل الله غفارا للذنوب صفوحالعبيدة من العقوبة عليها «رَحِيماً» بهممتفضلا عليهم و قد يسأل فيقال كيف قال فيأول الآية «فَضَّلَ اللَّهُالْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَدَرَجَةً» ثم قال في آخرها «وَ فَضَّلَاللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَىالْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماًدَرَجاتٍ» و هذا متناقض الظاهر و أجيب عنهبجوابين (أحدهما) أن في أول الآية (فضل اللهالمجاهدين على القاعدين من أولي الضرر)درجة و في آخرها (فضلهم على القاعدين غير