لما تقدم بيان الأحكام عقبه سبحانه بذكرالوعد و الوعيد فقال «اعْلَمُوا أَنَّاللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» لمن عصاه «وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» لمن تاب وأناب و أطاع و جمع بين المغفرة و الرحمةليعلم أنه لا يقتصر على وضع العقاب عنه بلينعم عليه بفضله و لما أنذر و بشر في هذهالآية عقبها بقوله «ما عَلَى الرَّسُولِإِلَّا الْبَلاغُ» أي ليس على الرسول إلاأداء الرسالة و بيان الشريعة فأما القبولو الامتثال فإنه يتعلق بالمكلفين المبعوثإليهم «وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَوَ ما تَكْتُمُونَ» أي لا يخفى عليه شيءمن أحوالكم التي تظهرونها و تخفونها و فيهغاية الزجر و التهديد و في قوله سبحانه«اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُالْعِقابِ» الآية دلالة على وجوب معرفةالعقاب و الثواب لكونهما لطفا في بابالتكليف.
سورة المائدة (5): آية 100
قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُالْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِيالْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
اللغة
الاستواء على أربعة أقسام استواء فيالمقدار و استواء في المكان و استواء فيالذهاب و استواء في الإنفاق و الاستواءبمعنى الاستيلاء راجع إلى الاستواء فيالمكان لأنه تمكن و اقتدار و الخبيث أصلهالرديء مأخوذ من خبث الحديد و هو رديةبعد ما يخلص بالنار جيده ففي الحديدامتزاج جيد بردي و الإعجاب سرور بما يتعجبمنه و العجب و الإعجاب و التعجب من أصلواحد و العجب مذموم لأنه كبر يدخل علىالنفس بحال يتعجب منها و عجب الذنب أصله وعجوب الرمل أواخره لانفراده عن جملتهكانفراد ما يتعجب به.
المعنى
لما بين سبحانه الحلال و الحرام بين أنهمالا يستويان فقال «قُلْ» يا محمد «لايَسْتَوِي» أي لا يتساوى «الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ» أي الحرام و الحلال عن الحسنو الجبائي و قيل الكافر و المؤمن عن السدي«وَ لَوْ أَعْجَبَكَ» أيها السامع أو أيهاالإنسان «كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» أي كثرةما تراه من الحرام لأنه لا يكون في الكثيرمن الحرام بركة و يكون في القليل من الحلالبركة و قيل إن الخطاب للنبي (ص) و المرادأمته «فَاتَّقُوا اللَّهَ» أي فاجتنبواما حرم الله عليكم «يا أُولِيالْأَلْبابِ» يا ذوي العقول «لَعَلَّكُمْتُفْلِحُونَ» أي لتفلحوا و تفوزوابالثواب العظيم و النعيم المقيم.