ثم أخبر سبحانه عن الكفار الذين جعلواالبحيرة و غيرها و يفترون على الله الكذبمن كفار قريش و غيرهم فقال «وَ إِذا قِيلَلَهُمْ تَعالَوْا» أي هلموا «إِلى ماأَنْزَلَ اللَّهُ» من القرآن و اتباع مافيه و الإقرار بصحته «وَ إِلَىالرَّسُولِ» و تصديقه و الاقتداء به وبأفعاله «قالُوا» في الجواب عن ذلك«حَسْبُنا» أي كفانا «ما وَجَدْناعَلَيْهِ آباءَنا» يعني مذاهب آبائنا ثمأخبر سبحانه منكرا عليهم «أَ وَ لَوْ كانَآباؤُهُمْ» أي أنهم يتبعون آباءهم فيماكانوا عليه من الشرك و عبادة الأوثان و إنكان آباؤهم «لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً» منالدين «وَ لا يَهْتَدُونَ» إليه و قيل فيمعنى «لا يَهْتَدُونَ» قولان (أحدهما) أنهيذمهم بأنهم ضلال (و الآخر) بأنهم عمي عنالطريق فلا يهتدون طريق العلم و في هذهالآية دلالة على فساد التقليد و أنه لايجوز العمل في شيء من أمور الدين إلابحجة و في هذه الآية دلالة أيضا على وجوبالمعرفة و أنها ليست بضرورية على ما قالهأصحاب المعارف فإنه سبحانه بين الحجاجعليهم فيها ليعرفوا صحة ما دعاهم الرسولإليه و لو كانوا يعرفون الحق ضرورة لميكونوا مقلدين لآبائهم و نفي سبحانه عنهمالاهتداء و العلم معا لأن بينهما فرقا فإنالاهتداء لا يكون إلا عن حجة و بيان والعلم قد يكون ابتداء عن ضرورة.
سورة المائدة (5): آية 105
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواعَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْمَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَىاللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاًفَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْتَعْمَلُونَ (105)
القراءة
روي في الشواذ عن الحسن لا يضركم و عنإبراهيم لا يضركم.
الحجة
و في ذلك أربع لغات ضاره يضوره و ضارهيضيره و ضره يضره و هي عربية أعني يفعل فيالمضاعف متعدية و إنما جزم يضركم و يضركملأنه جواب الأمر و هو قوله «عَلَيْكُمْأَنْفُسَكُمْ» و يجوز أن يكون لا هنابمعنى النهي فيكون يضركم مجزوما به.
الإعراب
قال الزجاج «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ»أجريت مجرى الفعل فإذا قلت عليك زيدافتأويله ألزم زيدا و «عَلَيْكُمْأَنْفُسَكُمْ» معناه ألزموا أمر أنفسكم وقال غيره العرب تأمر من الصفات بعليك وعندك و دونك فتعديها إلى المفعول و تقيمهامقام الفعل فينتصب بها على الإغراء