ما في قولهم «فَبِما نَقْضِهِمْ» زائدةمؤكدة أي فبنقضهم ميثاقهم و مثله قولالشاعر:(لشيء ما يسود من يسود) «يُحَرِّفُونَ» في موضع نصب على الحال منقوله «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ» أيمحرفين الكلم و يجوز أن يكون كلامامستأنفا و يكون التمام عند قوله«قاسِيَةً» و «قَلِيلًا مِنْهُمْ» نصبعلى الاستثناء من الهاء و الميم في قوله«عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ».
المعنى
ثم عطف سبحانه على ما تقدم فقال «فَبِمانَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ»فيه تسلية للنبي (ص) يقول لا تعجبن يا محمدمن هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطواأيديهم إليك و إلى أصحابك و ينكثوا العهدالذي بينك و بينهم و يغدروا بك فإن ذلكدأبهم و عادة أسلافهم الذين أخذت ميثاقهمعلى طاعتي في زمن موسى و بعثت منهم اثنيعشر نقيبا فنقضوا ميثاقي و عهدي فلعنتهمبنقضهم ذلك العهد و الميثاق و في الكلاممحذوف أكتفي بدلالة الظاهر عليه و تقديرهفنقضوا ميثاقهم فلعناهم بنقضهم ذلكالميثاق و العهد المؤكد أي طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا على وجه العقوبة عنعطاء و جماعة و قيل معناه مسخناهم قردة وخنازير عن الحسن و مقاتل و قيل عذبناهمبالجزية عن ابن عباس و كان نقضهم الميثاقمن وجوه فمنها أنهم كذبوا الرسل و قتلواالأنبياء و نبذوا الكتاب و ضيعوا حدوده وفرائضه عن قتادة و منها أنهم كتموا صفةالنبي (ص) عن ابن عباس «وَ جَعَلْناقُلُوبَهُمْ قاسِيَةً» أي يابسة غليظةتنبو عن قبول الحق و لا تلين عن ابن عباس ومعناه سلبناهم التوفيق و اللطف الذي تنشرحبه صدورهم حتى ران على قلوبهم ما كانوايكسبون و هذا كما يقول الإنسان لغيرهأفسدت سيفك إذا ترك تعاهده حتى صدئ و جعلتأظافيرك سلاحك إذا لم يقصها و قيل معناهبينا عن حال قلوبهم و ما هي عليها منالقساوة و حكمنا بأنهم لا يؤمنون و لا تنجعفيهم موعظة عن الجبائي و قيل معنى قاسيةرديئة فاسدة مثل الدراهم القسية إذا كانتزائفة و هذا راجع إلى معنى اليبس أيضالأنها تكون يابسة الصوت لما فيها من الغش والفساد و يقال للرحيم لين القلب و لغيرالرحيم يابس القلب «يُحَرِّفُونَالْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ» أي يفسرونهعلى غير ما أنزل و يغيرون صفة النبي (ص)فيكون التحريف بأمرين (أحدهما) سوءالتأويل (و الآخر) التغيير و التبديل كقولهتعالى «وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِاللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ»«وَ نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوابِهِ» و تركوا نصيبا مما وعظوا به و مماأمروا به في كتابهم من اتباع النبي فصاركالمنسي عندهم و لو آمنوا به و اتبعوه لكانذلك لهم حظا و قيل معناه ضيعوا ما ذكرهمالله به في كتابه مما فيه رشدهم و تركواتلاوته فنسوه على مر الأيام «وَ لا تَزالُتَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ