ثم حكى سبحانه عن النصارى ما قالوا فيالمسيح «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُواإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُمَرْيَمَ» كفرهم الله سبحانه بهذا القوللأنهم قالوه على وجه التدين به و الاعتقادلا على وجه الإنكار و إنما كفروا بذلكلوجهين (أحدهما) أنهم كفروا بالنعمة من حيثأضافوها إلى غير الله ممن ادعوا إلهيته (والآخر) أنهم كفروا بأنهم وصفوا المسيح و هومحدث بصفات الله سبحانه فقالوا هو إله و كلجاهل بالله كافر لأنه لما ضيع نعمة اللهتعالى كان بمنزلة من أضافها إلى غيره«قُلْ» يا محمد «فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَاللَّهِ شَيْئاً» أي من يقدر أن يدفع منأمر الله شيئا من قولهم ملكت على فلان أمرهإذا اقتدرت عليه حتى لا يمكنه إنفاذ شيءمن أمره إلا بك و تقديره من يملك من أمرالله شيئا «إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» عنى بذلكأنه لو كان المسيح إلها لقدر على دفع أمرالله تعالى إذا أراد هلاكه و إهلاك غيره وليس بقادر عليه لاستحالة القدرة علىمغالبة القديم أي فكيف يجوز اعتقادالربوبية فيه مع أنه مسخر مربوب مقهور وقيل معناه أن من قدر على هذا لم يجز أن يكونمعه إله و لا أن يشبهه شيء «وَ لِلَّهِمُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مابَيْنَهُما» و من كان بهذه الصفة فلا ثانيله و ذلك يدلك على أن المسيح ملك له و إذاكان ملكا له لم يكن إلها و لا ابنا له لأنالمملوك لا يجوز أن يكون مالكا فكيف يكونإلها و قوله «يَخْلُقُ ما يَشاءُ» أي يخلقما يشاء أن يخلقه فإن شاء خلق من ذكر و أنثىو إن شاء خلق من أنثى غير ذكر فدل بها علىأنه ليس في كون المسيح من أنثى بغير ذكردلالة على كونه إلها و قوله «وَ اللَّهُعَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» أي يقدرعلى كل شيء يريد أن يخلقه و في هذه الآيةرد على النصارى القائلين بأن الله جلجلاله اتحد بالمسيح فصار الناسوت لاهوتايجب أن يعبد و يتخذ إلها فاحتج عليهم بأنمن جاز عليه الهلاك لا يجوز أن يكون إلها وكذلك من كان مولودا مربوبا لا يكون ربا ثمحكى عن الفريقين من أهل الكتاب فقال «وَقالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُأَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ» قيلإن اليهود قالوا نحن في القرب من اللهبمنزلة الابن من أبيه و النصارى لما قالواللمسيح ابن الله جعلوا نفوسهم أبناء اللهو أحباؤه لأنهم تأولوا ما في الإنجيل منقول المسيح أذهب إلى أبي و أبيكم عن الحسنو قيل إن جماعة من اليهود منهم كعب بنالأشرف و كعب بن أسيد و زيد بن التابوه وغيرهم قالوا لنبي الله حين حذرهم بنقماتالله و عقوباته لا تخوفنا فإنا أبناء اللهو أحباؤه فإن غضب علينا فإنما يغضب كغضبالرجل على ولده يعني أنه يزول عن