مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 3
لطفا منتظر باشید ...
«مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّارَسُولٌ» أي ليس هو بإله «قَدْ خَلَتْمِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» أي كما أن الرسلالذين مضوا قبله ليسوا بآلهة و إن أتوابالمعجزات الباهرات فكذلك المسيح فمنادعى له الإلهية فهو كمن ادعى لهم الإلهيةلتساويهم في المنزلة «وَ أُمُّهُصِدِّيقَةٌ» لأنها تصدق بآيات ربها ومنزلة ولدها و تصدقه فيما أخبرها بهبدلالة قوله «وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِرَبِّها» عن الحسن و الجبائي و قيل سميتصديقة لكثرة صدقها و عظم منزلتها فيماتصدق به من أمرها «كانا يَأْكُلانِالطَّعامَ» قيل فيه قولان (أحدهما) أنهاحتجاج على النصارى بأن من ولده النساء ويأكل الطعام لا يكون إلها للعباد لأنسبيله سبيلهم في الحاجة إلى الصانع المدبرو المعنى أنهما كانا يعيشان بالغذاء كمايعيش سائر الخلق فكيف يكون إلها من لايقيمه إلا أكل الطعام و هذا معنى قول ابنعباس (و الثاني) إن ذلك كناية عن قضاءالحاجة لأن من أكل الطعام لا بد له منالحدث فلما ذكر الأكل صار كأنه أخبر عنعاقبته «انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُالْآياتِ» أمر سبحانه النبي (ص) و أمته بأنيفكروا فيما بين تعالى من الآيات أيالدلالات على بطلان ما اعتقدوه من ربوبيةالمسيح ثم أمر بأن ينظر «ثُمَّ انْظُرْأَنَّى يُؤْفَكُونَ» أي كيف يصرفون عنالحق الذي يؤدي إليه تدبر الآيات فالنظرالأول إنما هو إلى فعله تعالى الجميل فينصب الآيات و إزاحة العلل و النظر الثانيإلى أفعالهم القبيحة و تركهم التدبرللآيات ثم زاد تعالى في الاحتجاج عليهمفقال «قُلْ» يا محمد «أَ تَعْبُدُونَ مِنْدُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْضَرًّا وَ لا نَفْعاً» أي أ توجهونعبادتكم إلى من لا يقدر لكم على النفع والضر لأن القادر عليهما هو الله أو منيمكنه الله تعالى من ذلك و المستحقللعبادة إنما هو القادر على أصول النعم والنفع و الضر و الخلق و الإحياء و الرزق ولا يقدر على ذلك غير الله فلا يستحقالعبادة سواه «وَ اللَّهُ هُوَالسَّمِيعُ» لأقوالكم «الْعَلِيمُ»بضمائركم و في هذا تحذير من الجزاء واستدعاء إلى التوبة ثم دعاهم إلى تركالغلو فقال «قُلْ» يا محمد للنصارى فإنهمالمخاطبون هنا و قال قوم أنه خطاب لليهود والنصارى لأن اليهود غلوا أيضا في تكذيبعيسى و محمد «يا أَهْلَ الْكِتابِ لاتَغْلُوا فِي دِينِكُمْ» أي لا تتجاوزواالحد الذي حده الله لكم إلى الإزدياد و ضدهالتقصير و هو الخروج عن الحد إلى النقصان والزيادة في الحد و النقصان عنه كلاهمافساد و دين الله الذي أمر به هو بين الغلو والتقصير و هو الاقتصار «غَيْرَ الْحَقِّ»أي مجاوزين الحق إلى الغلو و إلى التقصيرفيفوتكم الحق و من قال إن الخطاب لليهود والنصارى فغلو نصارى في عيسى ادعاؤهم لهالإلهية و غلو اليهود فيه تكذيبهم له ونسبتهم إياه إلى أنه لغير رشدة «وَ لاتَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْضَلُّوا مِنْ قَبْلُ» قال