مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 3
لطفا منتظر باشید ...
كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْتُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ» معناه لوتجعلون و الأرض سواء كما قال تعالى وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُتُراباً و من التسوية قوله بَلىقادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَبَنانَهُ أي نجعلها صفيحة واحدة لا يفصلبعضها عن بعض فيكون كالكف فيعجز لذلك عمايستعان عليه من الأعمال بالبنان و روي عنابن عباس أن معناه يودون أن يمشي عليهم أهلالجمع يطئونهم بأقدامهم كما يطئون الأرض وعلى القول الأول فالمراد به أن الكفار يومالقيامة يودون أنهم لم يبعثوا و أنهمكانوا و الأرض سواء لعلمهم بما يصيرونإليه من العذاب و الخلود في النار و روي أيضا أن البهائم يوم القيامة تصيرترابا فيتمنى عند ذلك الكفار أنهم صارواكذلك ترابا و هذا لا يجيزه إلا من قال إن العوض منقطعو هو الصحيح و من قال إن العوض دائم لم يصححهذا الخبر و قوله «وَ لا يَكْتُمُونَاللَّهَ حَدِيثاً» قيل فيه أقوال (أحدها)أنه عطف على قوله «لَوْ تُسَوَّى» أي ويودون أن لو لم يكتموا الله حديثا لأنهمإذا سئلوا قالوا وَ اللَّهِ رَبِّنا ماكُنَّا مُشْرِكِينَ فتشهد عليهم جوارحهمبما عملوا فيقولون يا ليتنا كنا ترابا و ياليتنا لم نكتم الله شيئا و ليس ذلك بحقيقةالكتمان فإنه لا يكتم شيء عن الله لكنهفي صورة الكتمان و هذا قول ابن عباس (وثانيها) أنه كلام مستأنف و المراد به أنهملا يكتمون الله شيئا من أمور دنياهم وكفرهم بل يعترفون به فيدخلون النارباعترافهم و إنما لا يكتمون لعلمهم بأنهلا ينفعهم الكتمان و إنما يقولون وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَفي بعض الأحوال فإن للقيامة مواطن وأحوالا ففي موطن لا يسمع كلامهم إلا همساكما أخبر تعالى عنهم و في موطن ينكرون مافعلوه من الكفر و المعاصي ظنا منهم أن ذلكينفعهم و في موطن يعترفون بما فعلوه عنالحسن (و ثالثها) أن المراد أنهم لا يقدرونعلى كتمان شيء من الله لأن جوارحهم تشهدعليهم بما فعلوه فالتقدير لا تكتمهجوارحهم و إن كتموه (و رابعها) أن المرادودوا لو تسوى بهم الأرض و أنهم لم يكونواكتموا أمر محمد و بعثه عن عطا (و خامسها) أنالآية على ظاهرها فالمراد و لا يكتمونالله شيئا لأنهم ملجئون إلى ترك القبائح والكذب و قولهم وَ اللَّهِ رَبِّنا ماكُنَّا مُشْرِكِينَ أي ما كنا مشركين عندأنفسنا لأنهم كانوا يظنون في الدنيا أنذلك ليس بشرك من حيث تقربهم إلى الله عنأبي القاسم البلخي.