وكان منشأ الحضارات الإنسانيّة العظمى،ومنطلقاً للمدنيّات الخالدة.لقد كان دور الأنبياء والرسل في تكميلالبشريّة معنويّاً وروحيّاً، دوراًأساسيّاً وعظيماً، بحيث لولاه لبقيتالبشريّة في ظلام دامس من التخلّفاتالفكريّة والجاهليّات المقيتة.ولقد كان هذا الدور منطقيّاً وطبيعيّاً;فالبشريّة بحكم ما تتنازعها من أهواءومطامع، ويكتنفها من جهل بالحقّ والعدل،لا يمكنها بنفسها أن تشقّ طريقها نحوالتكامل المنشود.. فكم من مرّة ابتعدتالبشريّة عن العناية الربانيّة والهدايّةالإلهيّة، فسقطت في الحضيض، ونزلت إلىمستوى الطبيعة البهيميّة.. وعادت كالأنعامبل أضلّ.ولقد أشار الإمام السجّاد زين العابدينعليّ بن الحسين (عليه السلام) إلى حاجةالبشريّة إلى الهدايّة الإلهيّة، وأثرهذه الهداية في تكامل البشريّة سلباًوإيجاباً، إذ قال في دعائه الأوّل فيالصحيفة السجاديّة: «الحمد للّه الذي لوحبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم منمننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمهالمتظاهرة لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوهوتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانواكذلك لخرجوا من حدود الإنسانيّة إلى حدّالبهيميّة، فكانوا كما وصف في محكم كتابه(إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بلْ هُمْأضَلُّ سَبِيلاً)» (1).ولقد كان إيصال هذه الهداية الإلهيّةالتكميليّة الضروريّة إلى البشر غيرميسور إلاّ عن طريق إرسال الرسل وبعثالأنبياء الأصفياء الهداة.إنّ دراسةً سريعةً خاطفةً لحالة العالمالإنسانيّ، وخاصّة حالة المجتمع العربيّالساكن في الجزيرة العربية قبيل الإسلام،وما كان يعاني منه الإنسان من تخلف وتأخّروسقوط، وما تحقق له من تقدّم ورقيّواعتلاء في جميع الأبعاد الأخلاقيّةوالفكريّة والإنسانيّة بفضل الدعوةالمحمديّة، والجهود التي بذلها صاحب هذهالدعوة المباركة،1- الصحيفة السجادية: الدعاء الأوّل.