بيد أنّ حلّ الاختلاف يتصوّر بوجوه هي:
إمّا بإخضاع القضيّة لسلاح القوّة، ومنطقالغلبة الذي عبّر عنه المثل السائر بقوله:(الحقُ لمن غلب).. فيكون الغالب هو المحقّ..ولكن هذا ممّا لا يقبله ذو وجدان سليم ولايرضاه عقل ولا دين.أو بإخضاع القضيّة لعامل الدعايةوالتبليغ الكاذب، وإرغام الطرف الآخر علىالقبول بما يخالفه انخداعاً وتضليلاً،..وهو كذلك أمر يرفضه الدين.أو يترك الأمر لعامل الزمن ليتجلّى الحقّبمرور الأيام وتوالي الشهور ومضي السنينوالأعوام.. وهو أمر لا تحتمله الحياةالاجتماعيّة التي تتطلّب الحلول العاجلةلمشكلاتها والمعالجة السريعة لآلامها..أو يترك الأمر حتّى يتعب المتنازعانفيكفّا عن المطالبة، أو يخلّي أحدهماالآخر، ليبطل الحقّ، ويعود باطلاً، ويعودالباطل حقّاً. وهو أمر يرفضه الإسلام كذلكإذ يقول الإمام عليّ (عليه السلام):«الحقُّ القديم لا يبطله شيء».ولقد اتّخذ الإسلام طريقاً خامساً، وهوالذي ندبت إليه الشرائع السماويّةالسابقة وتقتضيه سنّة الحياة وضروراتالمجتمع.. ألا وهو حثّ المتنازعين علىالرجوع إلى أهل الصلاح والتحاكم إليهم،والخضوع لقضائهم وحكمهم.. ليرتفع التنازع..ويعود المتخاصمون اخوة متحابّين، ويتخلّصالمجتمع من أخطار الاختلاف والتنازع.ولأجل مثل هذا الدور كانت السلطةالقضائيّة الركن الثالث والأساسيّ منأركان الحكومات قديماً وحديثاً، وكان لهامن الأهميّة والمكانة ما ليس لغيرها منأركان الحكومة.ولأجل ذلك أيضاً كان للقضاء والسلطةالقضائية مكانة مرموقة في النظام1- نهج البلاغة: ـ قسم الكتب ـ47.