ولذلك قال النبيّ الأكرم صلّى الله عليهوآله وسلّم: «لسانُ القاضي بين جمرتين مننار حتّى يقضي بين الناس فإمّا إلى الجنّةوإمّا إلى النّار»(1).كما لذلك أيضاً اشترط الإمام عليّ بن أبيطالب (عليه السلام) على القاضي شُريح أن لاينفذ قضاء حتّى يعرضه عليه.. قال الإمامالصادق (عليه السلام): «لمّا ولّى أميرالمؤمنين (عليه السلام) شريحاً القضاءاشترط عليه أن لا يُنفذ القضاء حتّىيعرضهُ عليه»(2).ومن هنا أكد الإمام عليّ (عليه السلام) علىالأشتر واليه على مصر، في عهده المعروف،أن يختار من يريدهم لمنصب القضاء،اختياراً دقيقاً بقوله: «ثمّ اختر للحكمبين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لاتضيق به الاُمور، ولا تمحكه الخصوم ولايتمادى في الزّلّة ولا يحصر من الفيء إلىالحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع،ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهمفي الشّبهات، وآخذهم بالحجج و أقلّهمتبرُّماً بمراجعة الخصم و أصبرهم علىتكشّف الاُمور، وأصرمهم عند اتّضاحالحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميلهإغراء، و اُولئك قليل، ثمّ أكثر تعاهدقضائه...»(3).ولخطورة مقام القضاء لا يجوز إلاّ للنبيّأو وصيّه، كمـا قال الإمام عليّ (عليهالسلام) لشريح: «يا شريح قد جلست مجلساً لايجلسه (ما جلسه) إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ، أوشقيّ»(4).وورد عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)قوله: «اتّقوا الحُكومة (أي القضاء) إنّماهي للإمام العادل العالم بالقضاء العادلفي المسلمين لنبيّ (كنبيّ) أو وصيّ (5) نبيّ»(6).
2ـ إستقلال القاضي الماليّ والسياسيّ
إنّ القاضي بما أنّه يتحمّل مسؤوليّةكبيرة وخطيرة لا مشابه لها بين أقرانها من1- وسائل الشيعة 18: 11، 6، 7.2- وسائل الشيعة 18: 11، 6، 7.3- نهج البلاغة: قسم الكتب 53.4- وسائل الشيعة 18: 11، 6، 7.5- المراد بالوصيّ هو الأعم من الوصيّالمنصوص عليه بالاسم فيشمل المنصوص عليهبالوصف، أي الذي جمع صفات القاضي المعتبرةفي الإسلام.6- وسائل الشيعة 18: 7.