1ـ عوامل الوراثة
يرى علماء التربيةوالنفس للابتداء فيتربية النشء مبدءاً معيّنا في عمرالإنسان، يعتقدون أنّه الوقت المناسبللتهذيب والتربية... بيد أنّ الإسلام لايرى ذلك بل يعتقد أنّ العناية بأمر الطفليجب أن تبدأ منذ اللقاء الأوّل بينوالديه، ومنذ انعقاد نطفته بل وقبل ذلك.لأنّ الإسلام يرى أنّ أكثر ما ينطوي عليهالأبوان من أخلاق وصفات تنتقل ـ بالوراثةـ إلى أبنائهم، وتؤثّر على شخصيّتهم،ومسيرهم ومصيرهم، ولقد أشار القرآنالكريم إلى هذه الحقيقة العلميّةبالكناية البليغة، والاشارة الحسيّةاللطيفة حيث قال: (وَالبَلَدُ الطَّيِّبُيَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِوَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إلاَّنَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِلِقَوْم يَشْكُرُونَ)(الأعراف: 58).إنّ اللّه سبحانه لم يكن يريد أن يقرّرللناس ماهم عارفونه، ومطّلعون عليه منظواهر الطبيعة من أنّ الأرض الطيبة يكوننباتها طيباً، والخبيثة لا يُخرج منهاإلاّ النكد، بل كان يريد الإشارة إلىالدور الحسّاس الذي يلعبه عامل الوراثةوأخلاق الأبوين في المولود. وإلى ذلك يشيرشيخ الأنبياء نوح (عليه السلام) حيث يدعواللّه سبحانه أن لا يبقي من قومه الكفرةأحداً في الأرض لأنّهم إن بقوا لا يلدواإلاّ فاجراً كفّاراً إذ قال اللّه عنه:(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَىالأرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّاراً*إنَّكَ إنْ تَذَرْهُمْ يُضِلّواعِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إلاَّ فَاجِراًكَفَّارَاً) (نوح: 26 ـ 27).وهي تكشف عن أنّ صلاح الوالدين يهيّءالأرضيّة لصلاح الولد كما أنّ فسادهمايهيّء الأرضيّة لفساده وانحرافه. كما قالالإمام عليّ (عليه السلام): «حُسنُ الأخلاقبُرهانُ كرم الأعراق» (1).1- غرر الحكم: 379.