أمّا السيرة فيكفي النظر إلى حياة الرسولالأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وسيرتهالشريفة للوقوف على هذه الحقيقة.
المؤسّس الأوّل للحكومة الإسلاميّة:
فمن تتبّع تلك السيرة الشريفة وجد كيف أنّالرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّمأقدم بمجرّد نزوله في المدينة المنوّرةعلى تأسيس الدولة بكلّ ما لهذه الكلمة منمعنى، وكيف مارس كلّ ماهو من شأن الحاكمالسياسي من تشكيل جيش منظّم، وعقد معاهداتومواثيق مع الطوائف الاخرى، وتنظيمالشؤون الإقتصاديّة والعلاقاتالإجتماعيّة ممّا يتطلّبه أيُّ مجتمعمنظّم ذو طابع قانونيّ، وصفة رسميّة وصيغةسياسيّة، واتخاذ مركز للقضاء والإدارة ـوهو المسجد ـ ووضع رواتب وتعيين مسؤولياتإداريّة، وتوجيه رسائل إلى الملوكوالامراء في الجزيرة العربيّة وخارجها،وتسيير الجيوش والسرايا وبذلك يكونالرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّمأوّل مؤسّس للدولة الإسلاميّة التياستمرّت من بعده، واتّسعت، وتطوّرتوتبلورت، واتّخذت صوراً أكثر تكاملاً فيالتشكيلات والمؤسّسات وإن كانت الاسسمتكاملةً في زمن المؤسّس الأوّل صلّى اللهعليه وآله وسلّم.إنّ من يراجع التاريخ النبويّ يلاحظ ـبجلاء ـ أنّ النبيّ الأكرم صلّى الله عليهوآله وسلّم كان منذ بداية بعثته الشريفةوحياته الرساليّة بصدد تأسيس الحكومة،وإقامة الدولة.وقد تمّ ذلك في مرحلتين كانت المرحلةالاولى في مكة، والاخرى في المدينة.ففي مكة ـ يوم لم يكن مأموراً بالظهوروالإعلان عن دعوته ـ قام بتأسيس الحزبالسريّ ـ إن صحّ هذا التعبير ـ حيث أخذ فيإعداد وبناء الأفراد الصالحين، وتوفيرالكوادر المؤمنة عن طريق الاتّصالاتالخاصّة واللقاءات السّريّة.ثمّ بعد أن امر باعلان رسالته لقولهسبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُوَاَعْرِضْ عَنِالْمُشْرِكِينَ *إِنّاكَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِيِنَ)(الحجر:94 و 95)، راح الرسول الأكرميلتقي بقادةالقبائل ورؤساء الوفود الآتية إلى مكّةيدعوهم الى دينه، والانضمام