هذا ولعلّك تعجب إذا علمت أنّ تحصيل العلمفي الفنون المختلفة من الطبّ والاقتصادوالحقوق السياسيّة والصنائع المتنوّعةفريضة إسلاميّة يجب على الجميع تعلّمه علىنحو الواجب الكفائيّ لكي ترتفع حاجةالمسلمين إلى غيرهم، ويأمنوا بذلك منتدخّل الأجانب في شؤونهم، بل الأعجب منذلك أنّ التحصيل في بعض الشؤون واجب عينيّوذلك فيما يتعلّق بمعرفة الأحكامالدينيّة من أحكام العبادات والمعاملاتكما حقّق في موضعه (1)، ولأجل ذلك وجب علىالحكومة الإسلاميّة أن تخصّص قسماًكبيراً من ميزانيّتها لتأسيس الجامعاتالدينيّة، والعلميّة وتهيئة ظروف التعليموالتعلّم حتّى يتسنّى لأبناء الاُمّةتحصيل المعرفة في أيّ مجال مفيد، وضروريّلحياة الاُمّة. فإنّ جميع ما سقناه إليك منأدلّة حاثّة على طلب العلم، وإنّ ما وصلإليه المسلمون القدامى من أزدهار، وتقدّمعظيم، في العلوم يستدعيان أن تكون الحكومةالإسلاميّة هي التي تتولّى تهيئة أجواءالعلم والتعلّم والتعليم، وإلاّ فكيفيمكن أن يتحقّق ذلك الازدهار ويتحقّق هذاالهدف العظيم، والأمر خارج عن نطاقالأفراد بل هو ميسّر للحكومةوإمكانيّاتها، ولوجوب أن تقتدي هذهالحكومة بسيرة النبيّ صلّى الله عليه وآلهوسلّم حيث تولّى بنفسه تهيئة أجواءالتعليم والتعلّم لأبناء المدينة كما مرّعليك في قصّة أسرى بدر.
الإسلام والعلوم الطبيعيّة
ثمّ انّه لم يكن تأكيد الإسلام على تحصيلالعلم ليختصّ بعلم دون علم وبباب دون آخر،وإن كان التأكيد على اكتساب الفقه والعلمبأحكام الدين أشدّ، وأكثر.فالعلم بأحكام الدين واُصوله وفروعه، أوالعلم بما يجري في الطبيعة من السننوالقوانين وكشف غوامض الحياة ومعضلاتهاواختراع ما يكون مفيداً للحياة البشريّةممّا دعا إليه الإسلام من غير فرق بين علموعلم. ولذلك أمر سبحانه في الكثير منالآيات القرآنيّة بالتدبّر في الكونوالسنن الحاكمة فيه، كما هوغير خفيّ علىمن له إلمام بالكتاب1- راجع فرائد الشيخ الأنصاريّ: 300 ـ 301.