فعندما ينظر القرآن الكريم إلى المجتمعمن هذه الزاوية الحقوقيّة، يعتبر للمجتمعوجوداً، وعدماً وحياةً ونشوراً، وأجلاًوكتاباً وتقدمّاً وتقهقراً إلى غير ذلك منالآثار التي تكون للفرد. وفي هذا الصدديكتب العلاّمة الطباطبائيّ في تفسيرهقائلاً:(إنّ القرآن اعتبر للمجتمع وجوداًوعدماً، وأجلاً وكتاباً، وشعوراً وفهماًوعملاً وطاعةً ومعصيةً وكلُّ ذلك يدلّ علىأنّ للمجتمع ـ في مقابل الفرد حقيقةًواقعيّةً في ظرفه المناسب له، يقولسبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذَاجَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَسَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف:34)وقال: (كُلُّ أُمّة تُدْعَى إِلَىكِتَابِهَا) (الجاثية: 28)وقال: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّأُمَّة عَمَلَهُمْ) (الأنعام: 108)وقال: (مِنْهُمْ أُمّةٌ مُقْتَصِدَةٌ)(المائدة: 66)وقال: (أُمّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَءَاياتِ اللّهِ) (آل عمران: 113)وقال: (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمّةبِرَسُولِهِمْ لَيَأْخُذُوهُوَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لَيُدحِضُواْبِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَكَانَ عِقَابِ) (غافر: 5)وقال: (وَلِكُلِّ أُمّة رَسُولٌ فَإِذَاجَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْبَالقِسْطِ)(يونس: 47).ومن هنا; نرى أنّ القرآن يعتني بتواريخالامم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر;حينما لم يتداول في التواريخ إلاّ ضبطأحوال المشاهير من الملوك والعظماء، ولميشتغل المؤرّخون بتواريخ الامموالمجتمعات إلاّ بعد نزول القرآن، فاشتغلبها بعض الاشتغال آحاد منهم المسعودي وابنخلدون، حتّى ظهر التحول الأخير في التأريخالنقليّ، بتبديل الأشخاص اُمماً وهذا هوالملاك في اهتمام الإسلام بشأن الاجتماع،ذلك الاهتمام الذي لانجد ولن نجد نظيره فيواحد من الشرائع ولا في سنن الاُممالمتمدِّنة، فإنّ تربية الأخلاق والغرائزفي الفرد وهوالأصل في وجود المجتمع; لاتكاد تنجح مع كينونة الأخلاق والغرائزالمعارضة والمضادةّ القوية القاهرة فيالمجتمع; إلاّ يسيراً لا قدر له عند القياسوالتقدير.