وضع جميع تلك البرامج عملاً اعتباطيّاً،بل كانت لأجل التنفيذ والتطبيق، وتنظيمالحياة الاجتماعيّة وفقها، فالقانون مهماكان راقياً وصالحاً ليس بكاف وحده فيإصلاح المجتمع وإصلاح شؤونه، بل لا بدّ منإجرائه، وتنفيذه في الصعيد العمليّ.إنّ الكتاب والسنّة زاخران بأحكامحقوقيّة ومدنيّة وجزائيّة وسياسيّة كثيرةوواسعة الأطراف والأبعاد وهي غير خافيةعلى كلّ من له أدنى إلمام بهذين المصدرينالإسلاميّين العظيمين.ففيهما الأمر الصريح والأكيد بقطع يدالسارق: (فَاقْطَعُواْأَيْدِيَهُمَا)(المائدة: 38) وجلد الزانيوالزانية: (الْزَّانِيَةُ وَالزَّانِيفَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَامِائَةَ جَلْدَة)(النور: 2).إلى غير ذلك من القوانين والحدود. ولقدحثّ الشارع الكريم على إجراء هذه الحدودوتنفيذ هذه القوانين، والتعاليم حثّاًأكيداً لا يترك لمتعلّل عذراً فقد ورد عنالإمام عليّ (عليه السلام) أنّه قال: «سمعترسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّميقول: لن تقدس اُمّة لا يؤخذ للضعيف فيهاحقَّه من القوي غير متعتع» (1).وروى ابن أبي الحديد المعتزليّ أنَّه خرجرجل من أهل الشام في وقعة صفين فنادى بينالصفّين: يا عليّ ابرز أليّ، فخرج إليهعليّ (عليه السلام) فقال: إنّ لك يا عليّلقدماً في الإسلام والهجرة، فهل لك في أمرأعرضه عليك يكون فيه حقن دماء المسلمينوتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك؟ فقال(عليه السلام): «وما هو؟» قال: ترجع إلىعراقك فنخلّي بينك وبين العراق، ونرجع نحنإلى شامنا فتخلّي بيننا وبين الشام؟ فقالعليّ (عليه السلام): «قد عرفت ما عرضت إنّهذه لنصيحة وشفقة، ولقد أهمَّني هذا الأمروأسهرني وضربت أنفه وعينه، فلم أجد إلاَّالقتال أو الكفر بما أنزل اللّه علىمحمّدصلّى الله عليه وآله وسلّم.إنّ اللّه تعالى ذكره لم يرض من أوليائهأن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لايأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر فوجدتالقتال أهون عليَّ من معالجة في الأغلالفي جهنَّم» (2).1- نهج البلاغة: الرسالة (53).2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 207 ـ208.