الصالح لقيادة البشريّة حتّى في الصعيدالسياسيّ فقال ما ملخّصه: «إنّ الإسلاممشتمل على قوانين وسنن رفيعة تتكفّل سعادةالمجتمع فرديّاً واجتماعيّاً بيد أنّ ماجاء به الإسلام لا يتجاوز حدود التوصيةالاخلاقيّة والإرشاد المعنويّ دون أنيكون لديه ما يضمن تنفيذها من سلطاتوأجهزة، فإنّنا لم نلمس في التعاليمالإسلاميّة الموجودة إيّ إشارة إلى هيئةتنفيذيّة تقوم بإجراء الأحكام، وتنفيذالقوانيين ولذلك تعتبر الشريعةالإسلاميّة غير كافية من هذه الناحية،وعاجزةً عن التطبيق».هذا هو خلاصة ماقاله بعض المستشرقين،ولكن لو رجع صاحب هذه المقالة إلى الكتابوالسنّة، ولاحظ ما طفحت به الكتب الفقهيّةالإسلاميّة من سياسات اجتماعيّة، وحقوقمدنيّة، وتدابير جزائيّة عهد إجراؤها إلىالحاكم الإسلاميّ; للمس وجود الهيئةالتنفيذيّة في النظام الإسلاميّ بجوهرهوحقيقته وإن لم يكن بتفصيله المتعارفالآن.فأيّ تصريح بوجود الجهاز التنفيذيّ أكثرصراحةً من إيكال قسم كبير من القضاياالاجتماعيّة، والاُمور الجزائيّة إلى(الحاكم الشرعيّ) حيث نجد الكتب الفقهيّةزاخرةً بعبارات: عزّره الحاكم، أدّبهالحاكم، نفاه الحاكم، طلّق عنه الحاكم،حبسه الحاكم، خيّره الحاكم (1). وما شابه منالاُمور المخوّلة إلى الحاكم الإسلاميّ،وهو يوحي بوجود جهاز تنفيذيّ في النظامالإسلاميّ، لأنّ أكثر تلك المهام هي منصلاحيات السلطة التنفيذيّة المتعارفةالآن.هذا مضافاً إلى أنّ موضوع (الأمر بالمعروفوالنهي عن المنكر) الذي يؤكّد عليهماالدين الإسلاميّ أشدّ تأكيد يعتبر من أوضحالأدلّة على لزوم مثل هذا الجهازالتنفيذيّ حتّى يمكن القول ـ بدون مبالغةـ أنّ المقصود بالقائمين بهذه الفريضةالكبرى، والوظيفة العظمى هو (الهيئةالتنفيذيّة).1- راجع هذا الجزء: 23 ـ 30.