إنّ هذه العناصر وإن كانت تجمع جماعة منالناس، فإنّ هناك اُموراً اختياريّةتفرّقهم، وتبدّل هذا الاجتماع إلى الفرقةفلا تتحقّق ـ عندئذ ـ الاُمّة التي تعنيوحدة الجماعة على اُسس جامعة لا تقبلتفكّكاً ولا تنالها أيدي التمزيق.إنّ (الاُمّة) هي الجماعة التي يلتقيأفرادها على رابطة جامعة حقيقيّة وهي لاتكوّن إلاّ ما يشترك فيه الأفراد اشتراكاًاختيارياً اراديّاً، ويكون قادراً علىجمعهم حول محور واحد، ودفعهم في مسير واحدبحيث يحسّ البعض باحساس الآخر ويتألملتألمّه، ويطلب للغير ما يطلبه لنفسهويكره له ما يكره لنفسه وهذا لا يحصلبالاتّحاد في المولد أو الاشتراك في الدمأو اللغة أو التاريخ وهم لا يشتركون في تلكالرابطة الجامعة الحقيقيّة.وبتعبير آخر: انّ المجتمع الذي ينطوي علىتباين في الاُسس الفكريّة، واختلاف فيالاتجاهات المسلكيّة، وتنوّع في الآمالوالمطاليب كيف يمكن أن يجتمع أفراده فيوحدة متماسكة، وتكون مجموعة بشريّة خاصّةتستحقّ إطلاق صفة الاُمّة عليها؟لاشكّ أنّ مثل هذه الاُمّة المختلفة فيآرائها، وأهوائها تؤول ـ لا محالة ـ إلىالتفرّق، وينتهي آخر أمرها إلى التفكّك إذلا جامع حقيقيّ يجمعهم، ولا رابط واقعييربط بينهم.إنّ مجرد الاتحاد والوحدة في الاُمورالخارجة عن الاختيار والإرادة كالملاكاتالتي ذكرها بعض الحقوقيّين لتكوّن مفهومالاُمّة مع وجود الاختلاف والتباين فيالآراء والأهواء، وفي النظريّات والعقائدالتي يقدسها الأفراد ويعتبرونها أعزّالأشياء ويضحّون في سبيلها بالغاليوالرخيص، لا يجدي نفعاً في تشكيل الاُمّةالواحدة، وتكوين الجماعة المتميّزة عنغيرها إلى درجة تستحقّ إطلاق الاُمّةعليها.لنفترض مواطنين ولدا على أرض واحدة أويعيشان عليها، وينتميان إلى عرق واحد،ويشتركان في اللغة والتاريخ، ولكنّهمايختلفان في العقيدة والمسلك فيعتقدأحدهما بأصالة الفرد، ويرى إعطاءهالحريّة المطلقة في كلّ المجالات، بحجّةأنّ ما هو