فإنّ الإسلام يتميّز ـ عن المباديءالوضعيّة ـ بتركيزه الشديد على التسويةبين جميع أفراد البشر، مهما اختلفتطبقاتهم وأوضاعهم الاجتماعيّةوالسياسيّة، وانتماءاتهم العشائريّةوتعود هذه التسوية الإسلاميّة إلى أمرينأساسيين:أوّلاً / اعتقاد الإسلام بوحدة بنيالإنسان جميعاً، في المنشأ والعنصر،فماداموا جميعاً بشراً من آدم وحواء وهمامن تراب وطين.وماداموا يشتركون في المشاعر والأحاسيسوالحاجات والآمال والألام فكلّهم عباداللّه تعالى على السواء وكلّهم مخلوقون لهبدون استثناء، فلماذا التمييز بين راعيهمورعيّتهم وغنيّهم وفقيرهم؟إنّ الاختلاف في المكانة الاجتماعيّةوالاقتصاديّة لا يمكن ـ في نظر الإسلام ـأن يكون عاملاً موجباً لتفضيل بعض علىبعض، وإخضاع بعض للقانون دون آخر.ثانيا / لأنّ التمييز في الأخذ بالقانونوتطبيقه والخضوع له، وجعل طائفة من الناسفوق القانون، واُخرى محكومة به ممّا يوهنموضع القانون، ويقلّل من مهابته، فينتفيالغرض المهم منه، وهو تنظيم سلك المجتمع،وإصلاح وضعه وتنسيق شؤونه.إنّ مكانة القانون ومهابته تظلّ محفوظةومصانة، ما دام يكون موضع الاعترافوالاحترام من الجميع فلا خارج عنه، ولامترفّع عليه، ولا ناقض لأحكامه. ولو سمحالإسلام لأحد أن يخرج عن القانون ويجعلنفسه فوق أحكامه لعاد نقض القانون فخراً.وفي ذلك ما فيه من ضياع النظام وسقوطه،وانعدام تأثيره.ولأجل ذلك مضى الإسلام يكافح ـ بدون هوادةوبكلّ قوّة ـ أيّ نقض للقانون حتّى في أبسطالصور مثل أن يكون لجماعة خاصّة محكمةخاصّة بهم نظراً لمكانتهم الاجتماعيّةوالسياسيّة بينما يكون لعامّة الناسمحكمة اُخرى لأنّهم الطبقة الدنيا منالمجتمع، وإن كانت الأحكام السائدة فيجميع هذه المحاكم المختلفة، نوعاً واحداً.إنّ الخضوع والتسليم لهذا الأصلالإسلاميّ في التسوية بين جميع أفرادالاُمّة، وتطبيق القانون على الجميع بدوناستثناء بلغ إلى حدّ أدّى بأن يعتبر الدينالإسلاميّ،