وأمّا الطائفة الثالثة فهي التي تدعو إلىالأخذ بالدنيا والآخرة معاً كقوله:(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللّهُالدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَنَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا) (القصص: 77).والتي يستفاد منها أنّ أصل الدنيا بما هيليست مذموماً بل المذموم هو حبّ الدنياوالانخداع بها، والوقوع في فخاخها،والفرح بها فرحاً صارفاً عن الآخرة ومنهذه الآيات قوله سبحانه: (زُيِّنَللنَّاسِ حُبُّ الشَّهوَاتِ مِنَالنِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَ القَنَاطِيرِالمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِوالفِضَّةِ والخَيْلِ المسَوَّمَةِوالأنْعَامِ وَالحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُالحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللّهُ عِنْدَهُحُسْنُ المَآبِ) (آل عمران: 14).فقد أصبحت الدنيا وما فيها من متع ونعممذمومة لأنّها حجبت الإنسان عن الآخرةوأوجبت نسيان طاعة اللّه والابتعاد عنالعمل الصالح.أو كقوله سبحانه: (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَالعَاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ)(القيامة: 20ـ21). (إنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَالعَاجِلَة وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْيَوْماً ثَقِيلاً) (الإنسان: 27).وقوله تعالى: (وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِالدُّنيَا وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا فِيالآخِرَةِ إلاّ مَتَاعٌ)(الرعد: 26).وخلاصة القول، أنّ مقتضى الجمع بينالطائفتين المادحة للدنيا والذامّة لها،هو ما ذكرته الطائفة الثالثة من أنّالدنيا ليست في حدّ ذاتها مذمومة بل ما كانمنها ملهياً عن الآخرة وصارفاً عن ذكراللّه وطاعته.ولذلك وصف اللّه سبحانه الرجال الذين لاتلهيهم الدنيا عن التوجّه إلى الآخرة،فقال: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌوَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِوَإِقامِ الصَّلاةِ وإِيتَاءِالزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمَاًتَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُوَالأبْصَارُ)(النور ـ37). (يَاأَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْأَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَنْذِكْرِ اللّهِ)(المنافقون: 9).إنّ الدنيا ليست مذمومة في نظر القرآنإلاّ إذا شغلت عن الآخرة، كما صرّح بذلكالقرآن بقوله: (قُلْ إِنْ كَانَآبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْوَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْوَعَشِيرَتُكُمْ