ذلك بيده الشريفة تحريكاً لحميّتهموإرهافاً لعزيمتهم وقال: «سر إلى موضع قتلأبيك فأوطئهُم الخيل فقد ولّيتك هذاالجيش»، لكن الصحابة تثاقلت هناك فلميبرحوا مع ما وعوه ورعوه من النصوصالصحيحة في وجوب إسراعهم، وطعن قوم منهمفي تأمير اُسامة، كما طعنوا من قبل فيتأمير أبيه.ولكن هذه المخالفة لم تثن عزيمة النبيّصلّى الله عليه وآله وسلّم ولم ترده عنرأيه فصعد المنبر فقال: «أيُّها النّاسُما مقالةً بلغتني عن بعضكُم في تأميريأُسامة ولئن طعنتُم في تأميري أُسامة لقدطعنتُم في تأميري أباهُ من قبله، وأيمُواللّه إن كان لخليقاً بالإمارة وإنّابنهُ من بعده لخليق بها» (1).ولعلّه يؤيّد ما ذكرنا من أنّ قبول النبيّصلّى الله عليه وآله وسلّم لقول المشاورينكان من باب الأخذبالأحقّ والأصلح في مجالالعمل لا الأخذ بالأكثريّة بداعيالأكثريّة ما قاله صاحب المنار: إنّالنبيّ رجّح في أحد رأي الأكثرين مخالفاًلرأيه ورجّح في بدر الرأي الموافق لرأيهولم يكن هناك أكثريّة ظاهريّة فيجب أنيراعي الإمام ذلك ولا مجال في هذا للتفريقوالخلاف (2).وحصيلة القول: انّ الإمام المفترض طاعتهسواء أكان معصوماً أم غيره إذا استشار يجبعليه أن يتحرى الأصلح والأحقّ ولا يخضعللأكثريّة بما هي أكثريّة ولا يوجب رأيالأكثريّة إلزاماً على الإمام أن يختاره،نعم ربما تقتضي المصلحة الأخذ برأيالأكثريّة كما فعل الرسول في موقف اُحد.نعم مسألة الاستشارة في الاُمور تختلف عنمسألة انتخاب الحاكم أو النائب الأصلحفإنّه يؤخذ فيه بالأكثريّة حسماً لمادّةالنزاع والاختلاف لا أنّ الحلّ منحصر فيهذا الاسلوب لا غير بخلاف ما إذا كان هناكحاكم إسلاميّ مفروغ السلطة آخذاً بالزمامتحت الضوابط السالفة، فعندئذ إذا استشارجماعة، في مشاكل الاُمور، وطلب آراءهم، لمتكن آراء المشيرين ملزمة له وحجّة عليه،إذا رأى الحقّ في خلافهم.1- راجع طبقات ابن سعد 2: 190.2- المنار 5: 191.