لأنّ ذلك يعني تخلّي أهل الكتاب عنحرّيتهم الطبيعيّة، وإعطاء مصيرهم فيالتحليل والتحريم والتشريع والتقنين إلىبشر أمثالهم وهو أمر مرفوض في منطق الدين،الذي يرى بأنّ اللّه خلق الناس أحراراً،وأراد لهم أن يعيشوا كذلك ولا تكون لأحدعلى أحد سلطة التشريع إلاّ للّه سبحانه.وقد دعا الإسلام أهل الكتاب إلى نبذ هذهالأرباب والأسياد البشريّة وتحريرالإنسان من كلّ قيد ظالم فقال: (قُلْ يَاأَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَواْ إِلَىكَلِمَة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْأَلاّ نَعْبُدَ إلاَّ اللّهَ وَلاَنُشْرِكَ بِهِ شَيْئَاً وَلاَ يَتَّخِذَبَعْضُنَا بَعْضَاً أَرْبَاباً مِنْدُونِ اللّهِ) (آلعمران: 64).ولقد دفع الإسلام اتباعه إلى الدفاع عنحريّتهم، وزرع فيهم روح العزّة والإباءوالاعتلاء إذ قال: (وَلِلّهِ العِزَّةُوَلِرَسُولِِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَوَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لاَيَعْلَمُونَ)(المنافقون: 8).وقال سبحانه: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَتَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْكُنْتُمْ مُؤمِنِيْنَ)(آلعمران: 139).ورفض أن يذلّ المؤمنون أنفسهم ويتخلّواعن حريّتهم وعزّتهم فقال عليّ (عليهالسلام): «إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلىالمُؤمن كُلّ شيء إلاّ إذلال نفسه»(1).وقال الإمام الحسين بن عليّ (عليه السلام)في الرد على من أرادوا له الخضوع ليزيد:«لا اعطينّكُم بيدي إعطاء الذّليل ولااقّرُ لكُم إقرار العبيد» (2).بل وليس الإيمان باللّه ورفض الشركاءوالأنداد الذي دعا إليه الدين إلاّ الخروجمن عبوديّة العباد إلى جوّ الحريّةالكريمة اللائقة بالإنسان المتوفّرة فيالعبوديّة للّه وحده.فجملة لا إله إلاّ اللّه من أعظم الشعاراتالتي نادى بها الإسلام لتحرير الإنسانوإخراجه من أيّة عبوديّة وخضوع لأحد إلاّللّه سبحانه.1- وسائل الشيعة 6: 424.2- بلاغة الحسين: 43.