وأمّا قتلهم بعد وضع الحرب أوزارها فتعدّضراوة بسفك الدماء وإسرافاً بلا جهةفيتعيّن الأمر في الاسترقاق بتوزيعهم فيبيوت المسلمين وجعلهم تحت ولايتهم حتّىيتربّوا بتربيتهم ويتخلّقوا بأخلاقهموآدابهم (1).هذا وتخيّر الإمام أدلّ دليل على مرونةالإسلام حيث ترك للإمام والحاكم المجالليقوم بما تقتضيه المصلحة.وقد أكّد الإسلام على احترام الأسرىوالعطف عليهم والرحمة بهم وحسن المعاملةمعهم، قال النبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم «استوصُوا بالأسارى خيراً» (2).ويكفي دلالة عمليّة على ذلك أنّه لمّاافتتح رسول اللّه صلّى الله عليه وآلهوسلّم القموص [وهي من قلاع اليهود بخيبر]أتى رسول اللّه بصفيّة بنت حيّي بن أخطب،وباُخرى معها فمرّ بها بلال، وهو الذي جاءبهما، على قتلى من قتلى يهود فلمّا رأتهمالتي مع صفيّة صاحت، وصكّت وجهها وحثّتالتراب على رأسها فلمّا رآها رسول اللّهصلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «اعزُبُواعنّي هذه الشّيطانة»، وأمر بصفيّة فحيزتخلفه وألقى عليها رداءه، فعرف المسلمونأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وآله وسلّمقد اصطفاها لنفسه فقال رسول اللّه لبلال:حين رأى بتلك اليهوديّة ما رأى: «أنزعتمنّك الرّحمةُ يا بلالُ حين تمرّ بامرأتينعلى قتلى رجالهما» (3).بل وحث على إطعام الأسير وسقيه حيث قالصلّى الله عليه وآله وسلّم: «إطعامُالأسيرحقّ على من أسرهُ»(4).وقد بلغ من عطف الإسلام وإنسانيّته أنّهحرّم المثلة بالقتلى، فلمّا وقف النبيّصلّى الله عليه وآله وسلّم في اُحدعلى جسدحمزة بن عبد المطّلب فوجده ببطن الوادي قدبقر بطنه عن كبده،1- راجع في أحكام الأسارى المصادر التالية:الخلاف لشيخ الطائفة الطوسيّ 2: 46،والمختلف للعلاّمة الحليّ 1: 169، وكنزالعرفان: 365.وقد أشرنا إلى فلسفة الرقّ والاسترقاق فيالإسلام وأنّها حالة استثنائيّة اقتضتهاظروف الحرب خاصّة فلاحظ: 275 ـ 261 من كتابناهذا.2- سيرة ابن هشام 2: 299 و 236.3- سيرة ابن هشام 2: 299 و 236.4- وسائل الشيعة 11: 69 وقد مرّت الإشارة إلىهذا الأمر في: 415 من كتابنا هذا.