والحكومات ولقد سلك النبيّ صلّى اللهعليه وآله وسلّم هذا المسلك وتمكّن بذلكأن يمنع من محاولات أعداءه العدائيّة،ويبطل خططهم في الداخل.إنّ حياة النبيّ صلّى الله عليه وآلهوسلّم تبيّن أنّه كان يسعى دوماً إلى أنيدفع العدو إلى الخضوع للحقّ، ولم يكنيهدف الانتقام والثأر وإراقة الدماء.ففي المعارك والغزوات التي شارك فيهاالنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم أو بعثسريّة لمقابلة العدو كان يهدف بالدرجةالاُولى إلى تفريق جمعهم، وتشتيت صفّهملأنّه كان يعلم بأنّه لو ارتفعت الموانععن طريق الإسلام لاستطاع الدين بمنطقهالبيّن ونهجه القويم أن يشقّ طريقه إلىقلوب الناس.فإذا تفرّق جمع العدو، ويئس من السيطرةعلى الإسلام، وعاد الناس إلى فطرتهمورشدهم، استطاع الدين أن يتسرّب إلىقلوبهم، وجذبهم إلى صفّه، وهذا هو أمرتدلّ عليه الأحداث التاريخيّة فإنّكثيراً من الشعوب والأقوام التي هزمت أمامالقوّة الإسلاميّة العسكريّة، عادت إلىرشدها وراحت تفكّر في قبول الدين واعتناقتعاليمه ومفاهيمه.وقد ظهر هذا الأمر في فتح مكّة بأجلىمظاهره.لقد كان النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّميعلم أنّه لو فتح مكّة ونزع السلاح منالعدو، وتهيّأت البيئة المساعدة للتفكيروالتدبّر فلن يمضي زمان كبير إلاّ ويستقبلالناس بقلوبهم وعقولهم دعوة الإسلام،ولذلك كان يتحتّم على النبيّ صلّى اللهعليه وآله وسلّم أن ينتصر على العدو،ويتغلّب عليه ولكن دون إبادته وتدميرهوإفنائه.. ما دام حقن الدماء ممكناً.ولتحقيق هذا الهدف المقدّس (الغلبة علىالعدو دون إراقة الدماء) كان يتعيّنمباغتة الطرف الآخر ومفاجأته قبل أن يفكّرفي الدفاع عن نفسه، وقبل أن يقوم بأيّ عملمضادّ، ولا شكّ أنّ هذا الأمر ما كانليتحقّق إلاّ بأن تبقى جميع أسرار السياسةالإسلاميّة مصونة محفوظة لا يعلم بهاالطرف الآخر، ولا يقع في يده شيء منها فلايعلم العدو مثلا هل يريد النبيّ صلّى اللهعليه وآله وسلّم مهاجمتهم أوّلاً، وعلىفرض عرف العدو ذلك، فلا يعرف متى وكيف ومنأين، كلّ ذلك