أسرار يجب أن تبقى مصانة ومحفوظة لا يدريبها العدو، ولهذا كان يتعيّن على النبيّأن يلاحظ عملاء العدو في الداخل لكيلايسرّبوا أيّ خبر من داخل البلاد إلىالعدو ولا يخبروه بخبر يفوّت على النبيّمقاصده.ومن هنا اتّخذ النبيّ الاجراءات الفوريّةعندما بلغه أنّ هناك من أفشى خبر سفرهوتوجّهه إلى مكّة لفتحها، فلمّا أجمعالرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم المسيرإلى مكّة كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلىقريش بخبرهم بعزم الرسول، ثمّ أعطى الكتابإلى امرأة فجعلته في شعر رأسها، فأتىالخبر إلى رسول اللّه من السماء فبعث عليّبن أبي طالب والزبير بن العوّام فخرجاحتّى أدركاها في موضع بين مكّة والمدينةفأنزلاها من رحلها، وفتّشا الرحل فلم يجداشيئاً فقال لها عليّ بن أبي طالب: «إنّيأحلفُ باللّه ما كذب رسولُ اللّه صلّىالله عليه وآله وسلّم ولا كُذّبناولتُخرجنّ هذا الكتاب أو لنكشفنّك».فلمّا رأت الجدّ منه، قالت: أعرض، فأعرض،فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منهافدفعته إليه. فأتى به إلى رسول اللّه وعاتبالنبيّ حاطب بشدّة (1).وفي ذلك نزلت الآيات الاُول من سورةالممتحنة ابتداءمن قوله: (يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْعَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أوْلِيَاءَتُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ...الخ)(الممتحنة: 1).وهكذا كان النبيّ صلّى الله عليه وآلهوسلّم يحبط الأعمال التجسّسيّة التي كانيقوم بها العدوّ في عمق بلاده.وقد ذهب بعض علماء الإسلام إلى ضرورة وجودجهاز يكشف مؤامرات العدو في الداخل.يقول القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج:(وينبغي للإمام أن تكون له مسالح (مخافرحدوديّة) على المواضع التي تنفذ إلى بلادأهل الشرك من الطرق فيفتّشون من مرّ بهم منالتجّار فمن كان معه سلاح أخذ منه ورد، ومنكان معه كتب قرئت كتبه فما كان من خبر منأخبار المسلمين قد كتب به1- سيرة ابن هشام 2: 399.