بحوث
و هنا ملاحظات تسترعي الانتباه:1- التّجمعات الكبيرة
يبدو بوضوح- من الآيات المذكورة- مدىالأهمية التي يوليها الإسلام للمجتمعاتالكبيرة، و الأماكن المزدحمة بالسكان، والجميل في الأمر أنّ الإسلام قد نهض و بزغنوره من محيط متخلف، محيط لا تشم منه رائحةالتمدن و التطور، إلّا أنّه في الوقت نفسهيهتم اهتماما خاصّا بالعوامل البناءةالتي تنهض بالمجتمع، و تحلّق به في أجواءالتطور و الرقي، فنراه يقرر أنّ هؤلاءالذين يعيشون في مناطق نائية عن المدينةأكثر تخلفا من أهل المدن، لأنّهم لايملكون الوسائل الكافية للتعليم والتربية فتخلفوا، و لهذا نقرأفي نهج البلاغة قول أمير المؤمنين عليهالسّلام: «الزموا السواد الأعظم، فإنّ يداللّه مع الجماعة» «1».إلّا أنّ هذا الكلام لا يعني أن يتجه كلالناس إلى المدن، و يتركوا القرى- التي هيأساس عمران المدن- تعبث بها يد الخراب، بليجب السّعي في إيصال علم و تقدم المدينةإلى القرية، و تقوية أسس التربية والتعليم و أصول الدين و الوعي و نشرها بينصفوف القرويين.و لا شك أنّ سكان القرى إذا تركوا علىحالتهم و لم تفتح عليهم نافذة من العلومالمدنية و آيات الكتب السماوية، و تعليماتو توجيهات النّبي صلّى الله عليه وآلهوسلّم و الهداة الكرام، فسيحل بهم الكفر والنفاق سريعا و يأخذ منهم مأخذا عظيما. إنّهؤلاء لهم استعداد أكبر لقبول التربيةالسليمة و التعليم الصحيح لصفاء قلوبهم، وبساطة أفكارهم، و قلّة انتشار المكر والمراوغة التي تعم المدن بينهم.(1) نهج البلاغة، الخطبة 127.