ملاحظتان
1- جملة: فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِماكَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ تشير إلى أنّفئة من بين الأمم كانوا لا يسلمون أمامدعوة أي نبي و مصلح، و استمروا في الثباتعلى موقفهم، و لم تكن تؤثر فيهم دعوةالأنبياء المتكررة أدنى أثر، و بناء علىهذا فإن الجملة المذكورة تشير إلى طائفةوقفت في وجه دعوة أنبياء متعددين فيزمانين (و هذا هو ظاهر الجملة حيث أن مرجعكل الضمائر واحد).و قد احتمل أيضا في معنى هذه الآية أنّهاتشير إلى جماعتين مختلفتين، إحداهما كانتفي زمن نوح و كذّبت دعوته، و الأخرى همالذين جاؤوا بعد أولئك و سلكوا طريقهم فيإنكار و تكذيب الأنبياء، و بناء على هذا،فإنّ معنى الجملة يصبح: إنّ المعتدينأقوام آخرين امتنعوا عن الإيمان بالشيءالذي امتنع الماضون عن الإيمان به.طبعا، بملاحظة أنّ مخالفي دعوة نوح قدهلكوا أثناء الطوفان، سيقوى هذا الاحتمالفي تفسير هذه الآية، إلّا أنّ ذلك يستلزمعلى كل حال أن نفرق بين مرجع الضمائر فيالجملة، و هي واو الجمع في كانوا، وليؤمنوا، و كذبوا.2- من الواضح أنّ جملة: كَذلِكَ نَطْبَعُعَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ لا تدل علىالجبر، و قد أخفي تفسير ذلك فيها، لأنّهاتقول: إنّنا نطبع على قلوب المعتدين حتى لايدركوا شيئا، و بناء على هذا فإنّالاعتداءات المتكررة المتلاحقة على حدودالأحكام الإلهية و الحق و الحقيقة كانتتصدر من هؤلاء، و كانت تترك أثرها علىقلوبهم تدريجيا حتى سلبت منهم قدرة تشخيصو تعيين الحق، و وصل الأمر بهم إلى أن يصبحالتمرد و العصيان و المعصية طبيعة ثانيةلديهم، بحيث لا يذعنون و لا يسلّمون أمامأية حقيقة «1».(1) ذكرنا تفصيل هذا المطلب في المجلدالأوّل ذيل الآية (7) من سورة البقرة.