و في الآيات محل البحث إشارة إلى المرحلةالثّالثة من هذه المواجهة، و هي مرحلةانتهاء دورة التبليغ و التهيؤ للتصفيةالإلهية.
ففي الآية الأولى نقرأ ما معناه: يا نوح،إنّك لن تجد من يستجيب لدعوتك و يؤمنباللّه غير هؤلاء: وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍأَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَإِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ.
و هي إشارة إلى أنّ الصفوف قد امتازت بشكلتام، و الدعوة للإيمان و الإصلاح غيرمجدية، فلا بدّ إذا من الاستعداد لتصفية والتحول النهائي.
و في نهاية الآية تسلية لقلب نوح عليهالسّلام أن لا تحزن على قومك حين تجدهميصنعون مثل هذه الأعمال فَلا تَبْتَئِسْبِما كانُوا يَفْعَلُونَ و نستفيد من هذهالآية- ضمنا- أنّ اللّه يطلع نبيّه نوحاعلى قسم من أسرار الغيب بمقدار ما ينبغي،كما نجد أنّ اللّه تعالى يخبره بأنّه لنيؤمن بدعوته في المستقبل غير أولئك الذينآمنوا به من قبل، و على كل حال لا بدّ منإنزال العقاب بهؤلاء العصاة اللجوجينليطهر العالم من التلوّث بوجودهم، و ليكونالمؤمنون في منأى عن مخالبهم، و هكذا صدرالأمر بإغراقهم، و لكن لا بدّ لكل شيء منسبب، فعلى نوح أن يصنع السفينة المناسبةلنجاة المؤمنين الصادقين لينشط المؤمنونفي مسيرهم أكثر فأكثر، و لتتم الحجّة علىغيرهم بالمقدار الكافي أيضا.
و جاء الأمر لنوح أن ... اصْنَعِ الْفُلْكَبِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا.
إنّ المقصود من كلمة «أعيننا» إشارة إلىأن جميع ما كنت تعمله و تسعى بجد من أجله فيهذا المجال هو في مرءاي و مسمع منّا، فواصلعملك مطمئن البال.
و طبيعي أنّ هذا الإحساس بأنّ اللّه حاضرو ناظر و مراقب و محافظ يعطي الإنسان قوة وطاقة، كما أنّه يحسّ بتحمل المسؤوليةأكثر.
كما يستفاد من كلمة «وحينا» أيضا أن صنعالسفينة كان بتعليم اللّه، و ينبغي أنيكون كذلك، لأنّ نوحا عليه السّلام لم يكنبذاته ليعرف مدى الطوفان الذي سيحدث فيالمستقبل ليصنع السفينة بما يتناسب معه، وإنّما هو وحي اللّه الذي يعينه في