وأحد الموجودات في هذا العالم هوالانسان، ترتبط كل قواه وأفعاله، وجميعحركاته وسكناته بالقضاء والقدر الالهيين.فدقات القلب ودوران الدم، والاحساس فيالعصب، والهضم في المعدة، والتصفية فيالكبد، والإبصار بواسطة العين، والسماعبواسطة الأذن... كل أولئك يسير حسب قضاءالله وقدره، ولكن النقطة المهمة في البحثهي أن القضاء والقدر ينقسم بالنسبة إلىالانسان إلى قسمين: ـفقسم منه يتسم بطابع الحتمية والجبريةحيث يجري من غير إرادة الانسان واختياره،وقسم آخر جعله الله تعالى طوع إرادتناوخاضعاً لاختيارنا.ولنأخذ مثلاً على ذلك: اللسان، فهو عضو منأعضائنا وجزء من بدننا وله مقدرات كثيرة.فأحد تلك المقدرات جريان الدم في عروقه.ومنها أيضاً تكلمه. أما جريان الدم في عروقاللسان فهو خارج عن إرادتنا وإختيارنا،فالدم يجري في الأوعية الدموية الموجودةفي اللسان سواء شئنا أم أبينا. وهنا (فيدوران الدم في اللسان) قضاءان: الأول جريانالدم في عروق اللسان بالتقدير الالهي.والثاني جبرية هذا الدوران وحتمية فياللسان بالتقدير الالهي أيضاً حيث لا مجاللارادتنا واختيارنا فيه.هذا هو أحد المقدرات بالنسبة إلى اللسان،وقد عرفنا التقدير الالهي فيه.وأما المقدر الآخر فهو صدور التكلم منه.ولكن الواضح أن التكلم نفسه خاضعلارادتنا، فبامكاننا أن نتكلم، وبإمكانناأن نسكت. كما أننا نستطيع أن نصدق فيكلامنا، ونستطيع أن نكذب. فهنا أيضاً (فيتكلم اللسان) قضاءان: الأول صدور التكلم مناللسان بالتقدير الالهي. والثانياختيارية التكلم، وإراديته أيضاًبالتقدير الالهي.ومن هنا يتضح جلياً أن القضاء والقدر قديجريان بصورة جبرية.