خطبه 228-در توحيد
و من خطبه اخرى له فى التوحيد، قوله: ما وحده من كيفه و لا حقيقته اصاب من مثله، قال المتكلمون من اثبت للشى ء مثلا و نظيرا، فقد كيفه.و قال غيرهم من اطلق عليه مقوله الكيف، فقد كيفه، و من كيفه، فقد سد على نفسه باب التوحيد.و لا حقيقته اصاب من مثله، من اثبت لله مثلا، فقد توجه اعتقاده الى غير الله.و اذا لم يتعلق اعتقاده به، تعالى، فهو غير عارف به.قول لا صمده من اشار اليه، الصمد الذى يصمد اليه فى الحوايج، و هو نهايه الغايات فى انفس المخلوقين، يقصد نحوه لمعرفه الانفس فى ضمايرها و غامض عقولها، انه الغايه التى يضطر اليها الخلايق عند الكرب و الشدايد، فيلجا اليه و يصمد نحوه.و يستغيث به عند الضروره و يعلم انه لا مقصد الا نحوه و لا ملجا الا اليه.فهو الصمد المقصود لا من طريق الصمد الحسى المكانى.فلذلك قال: لا صمده من اشار اليه، و توهمه.و قيل: الصمد الغنى.فمن اثبت له مكانا، فقد اثبت له حاجه الى المكان، و توهمه جسما، فلا غنى للجسم من الاكوان.و من توهمه عرضا، فالعرض محتاج الى محدث و الى محل.و كل ذلك مخالف للغنى.قوله: كل معروف بنفسه مصنوع، لان ما عرف بنفسه هو المشاهد المدرك من جنس الاجسام و من جنس الاعراض.و الادراك يتعلق باخص اوصاف الشى ء، فحقيقه الشى ء ما اقتضاه طريق معرفته.و كل شى ء عرف بنفسه فهو المحسوس، و ما عرف بافعاله و لوازمه فهو المعقول.و لا يلزم من هذا ان يكون كل معروف صانعا لغيره (165 ر) قديما، لان هذا عكس غير مقبول.لا باضطراب آله، لان الله، تعالى، يفعل اختراعا من غير مماسه، و استحال عليه المجاوره، و لا يشغله شان عن شان.و الفعل بالاسباب لا يقتضى الجسميه و المجاوره.قوله: كل قائم فى سواه معلول، يعنى كل ما يحتاج فى وجوده الى غيره فهو محدث.قوله: مقدر لا بحول فكره، التقدير المضاف الى الله، تعالى، عند اكثر المتكلمين هو العلم بما كان و كل ما لم يكن و كل ما يكون.و التقدير اذا ما لم يكن من عالم، فلابد له من تفكر و تدبر، تعالى الله عن ذلك.قوله: غنى لا باستفاده، فالغنى على قسمين: غنى بالشى ء، و ذلك مختص بالعباد، غنى عن الشى ء و ذلك مختص بالله، تعالى.قوله سبق الاوقات كونه، يعنى انه كان فى الازل، تعالى و تقدس، قبل الزمان و الوقت.قوله: و العدم وجوده، يعنى: و العدم الزمانى وجوده، و العدم الزمانى عدم الشى ء فى شى ء من شانه ان يوجد، كعدم صوره الانسان من نطفه، فان ذلك العدم متاخر عن وجود النطفه، و عدم صورهالسيف من الحديد، فان الحديد متقدم، و عدم صوره السيف متاخر عن وجود الحديد.فعدم شى ء من شى ء من شانه ان يمكن له وجود عدم متاخر تقديرا عن وجود المحدثات.فلذلك قال: سبق العدم وجوده، اى العدم الملحق ببعض المحدثات.و قال بعض الناس: ان العدم ايضا بوجه مبداء من المبادى.فلذلك قال: هو سابق متقدم على جميع المبادى.قول: و الابتداء ازله، دليل على انه متقدم بالوجود الحقيقى على جميع المبادى، تقدم الفاعل الحقيقى على الفعل، لا كتقدم العله على المعلول، تعالى الله عن ذلك.قال الامام الوبرى معناه، كل ممكن يجوز وجوده و يجوز عدمه مطلقا من غير اعتبار سبب.و جواز العدم محال فى حق الله، تعالى، لانه واجب الوجود، فكان الوجود اولى به من العدم.فهذا سبق وجوده العدم، اى العدم (165 پ) المطلق المضاف الى الموجود المطلق.و قال ايضا (يجوز ان) يكون المراد بالعدم عدم كل شى ء سواه، فليس فى المعدومات ما يستحيل وجوده.و ما يستحيل وجوده هو الممتنع.