حکمت 076
قوله: خذ الحكمه انى كانت، فان الحكمه يكون فى صدر المنافق، فيختلج فى صدره حتى يخرج الى صواحبها فى صدر المومن.قال: لان الحكمه كالضاله عند المنافق لا يسكن نفسه الا باظهارها.فان الجاهل اذا علم شيئا، صار العلم عنده كالنادر، فيعجب بنفسه، و يكاد يعجز عن الامساك عنه، حتى يظهره.فاذا تكلم بالحكمه، و سمعها المومن، ازداد علم المومن بها الى علمه، فيسكن عنده، ثم اذا احتيح الى عله، بثه.و من اخلاق المومن الوقار و عادته الاصطبار.حکمت 078
قوله: قيمه كل امرء ما يحسن، المعنى ان جميع ما خلقه الله (انما خلقه) كاملا على وجه الحكمه.و قيمه كل شى ء تبع لمقصوده.و اذا كان المقصود من خلق العاقل العمل الصالح و التقوى من القبايح، فانه لا سبيل له اليها الا بالعلم، فكان المقصود من خلقه حصول معرفته و علمه.فمتى ازداد علمه، ازدادت قيمته.و قيمه الانسان يظهر بامرين: حسن الثناء فى العباده، و حصول الثواب فى المعاد.فمجموعهما يظهر قيمته، و يقضى حقه.و قال قوم: من فاز بالعلم، انتفع بكل ما سمعه و شاهده، و من كان جاهلا، استبصر بكل ما سمعه و شاهده.و لذلك قال: و البلد الطيب يخرج نباته باذن ربه، و الذى خبث لا يخرج الانكدا.فالخبيث من الارض، و ان طاب بذره، و عذب ماوه، لم ينبت الا خبيثا، و الطيب من الارض، و ان فسد بذره، و ملح ماوه لم ينبت الا طيبا.و لذلك قال الله، تعالى: يسقى بماء واحد و يفضل بعضها على بعض فى الاكل.و قال فى صفه القرآن: قل هو للذين آمنوا هدى و شفاء و الذين لا يومنون بالاخره فى آذانهم وقر و هو عليهم عمى.و من لم يتخصص بالعلم و العمل، فليس (194 ر) بانسان و لا قيمه له.فان القيمه للانسان بقوله، تعالى: و لقد كرمنا بنى آدم.و لو توهمنا سلب العقل عن الانسان، لما كان الا بهيمه مرسله، او صوره ممثله.و لا انتفاع بالعقل، الا بعد تحصيل العلم.و لذلك نفى الله، تعالى، العقل عن اقوام لا ينتفعون به.و لا انتفاع بالعلم الا بعد الاهتداء بالشرع.لذلك قال الله، تعالى: و ما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون.فلا قيمه لسرير لا يمكن الجلوس عليه، و لا لطعام لا يمكن التغذى به، و لا للباس لا يمكن ستر العوره و دفع اذى الحر و البردبه، و للفرس الذى لا يمكن ركوبه و قطع المسافه به، فكذلك لا قيمه لامرء لا علم له و لا هدايه له.و قال الله، تعالى: الرحمن، علم القرآن، خلق الانسان، علمه البيان، فابتدا بتعليم القرآن، ثم بخلق الانسان، ثم بتعليم البيان.و لم يدخل الواو ما بينهما.و كان الوجه على متعارف الناس ان يقول: خلق الانسان، و علمه البيان، و علمه القرآن، فان ايجاد الانسان مقدم على تعليم البيان، و تعليم البيان مقدم على تعليم القرآن.لكن الله لما لم يعد المخلوق انسانا ما لم يتخصص بالقرآن، ابتدا بالقرآن، ثم قال: خلق الانسان.نبه على ان تعليم القرآن هو الذى جعله انسانا على الحقيقه.ثم قال: علمه البيان نبه على ان البيان الحقيقى المختص بالانسان يحصل بعد معرفه علم القرآن.و ترك حرف ا
لعطف، و جعل كل جمله بدلا مما قبله لا عطفا.و الانسان لفظ المدح، فلا يقال للكافر: انسان، و للجاهل: انسان، الا من طريق التوسع و كونه مستعدا للانسانيه التى ذكرناها، كما يقال للقطن انه ثوب اى مستعد ان يتخذ منه ثوب.