الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليهم من الذهب و الفضة و فرض عليهم الصدقة من الابل و البقر و الغنم و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان و عفى عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض بشيء من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل فصاموا و أفطروا فأمر مناديه فنادي في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق و لكن هذا كله بعد تسليم أصل الانصراف المزبور و القدر المتيقن منه الذي يصح تسليمه إنما هو انصراف أدلة الزكاة عن المال الذي ليس لمالكه من حيث هو التصرف فيه كيف ما شاء و أخراجه عن ملكه بهبة أو بيع و نحوه لقصور سلطنته بالذات كما في الوقف أو بواسطة تعلق حق الغير به كما في الرهن و شبهه لا مجرد تعلق حكم تكليفي بترك إخراجه عن ملكه أو صرفه في مصرف معين من أن يؤثر ذلك شرعا أو عرفا نقصا في ملكيته كما إذا منعه أبوه عن إخراج النصاب عن ملكه أو نذر بذلك أو حلف عليه فأن هذا النحو من المنع من التصرف ليس موجبا لانصراف الادلة عنه جزما بل و كذا لو حلف على صرفه في مصرف معين لمصلحة نفسه مثلا فأن هذا أيضا موجب لنقص ملكيته و لا لانصراف أدلة الزكاة عنه فلا يصلح النذر و شبهه حينئذ مانعا عن تعلق الزكاة به عند حصول شرائطه كما تقدمت الاشارة اليه و أما نذر الصدقة و شبهها فقد ألترمنا بأنقطاع الحول به و مانعيته عن الزكاة لكونه لاجل سببيته للامر بدفعه إلى الفقير على الاطلاق موجبا لنقص ملكيته عرفا و شرعا كما تقدمت الاشارة اليه أنفا و لذا لم نلتزم بقاطعيته للحول فيما لو كان موقتا و لم يف به و لم نقل بوجوب قضائه فراجع فتلخص مما ذكر إن التمكن من التصرف الذي يمكن إثبات شرطية لتعلق الزكاة بألادلة المزبورة عبارة عن كون ما يتعلق به الزكاة تحت يده حقيقة أو حكما أي يكون مستوليا عليه بحيث يكون أبقائه تحت يده في الحول اختياريا له و إن لا يكون ممنوعا عن التصرف فيه و أخراجه عن ملكه شرعا لنقص في ملكيته أما بالذات كما في الوقف أو لعارض كما في المرهون و منذور الصدقة الذي صار بواسطة أمر الشارع بدفعه إلى الفقير بحكم المملوك في عدم تناول أدلة الزكاة له و أما مجرد المنع عن التصرف في وقت خاص مثلا الذي لا ينافي تمامية الملك عرفا كالامثلة المزبورة فلا دليل على مانعيته عن الزكاة و الله العالم الثاني : مقتضى ظاهر جل الروايات المتقدمة الواردة في المال الغائب و المدفون بل كلها و كذا خبر أبن سنان المشتمل على تعليل نفي زكاة مال العبد على سيده بعدم وصوله اليه و صحيحة الفضلاء و كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شيء عليه و غير ذلك من الروايات الدالة على اعتبار حول الحول عنده أناطة وجوب الزكاة بوصول المال اليه و أستيلائه عليه بالفعل أي كونه بالفعل في يده و تحت تصرفه فلا يكفي مجرد تمكنه من ذلك و لكن قد يقال بوجوب رفع اليد عن هذا الظاهر بجعل ما في هذه ألاخبار من التعبير بالوصول أليه و كونه في يده و عنده كناية عن قوة التسلط و التمكن من التصرف أو جعل التمكن من إثبات اليد بمنزلة كونه في يده بالفعل بشهادة قوله عليه السلام في موثقة زرارة المتقدمة و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر من السنين و عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد ( عع ) أنه قال في الدين يكون للرجل على الرجل إذا كان ممنوع يأخذه متى شاء بلا خصومة و لا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكيه و إن كان الذي عليه يدافعه و لا يصل اليه إلا بخصومة فزكاته على من في يده و كذلك مال الغائب و كذلك مهر المرئة على زوجها و فيه عدم صلاحية هذين الخبرين لصرف تلك الروايات عن ظاهرها من اعتبار السلطنة الفعلية أما الموثقة فصدرها كغيرها من ألاخبار ظاهر في عدم كفاية مجرد صيرورته قادرا على إخراجه في وجوب الزكاة بل يعتبر فيه فعلية الاخراج و ربما يستشعر من هذه العبارة ورودها في مثل المال المدفون الذي نسي موضعه أو الدين و شبهه مما يصلح أن يطلق عليه عند استيفائه لفظ الاخراج فليتأمل و كيف كان فلا ظهور لما في ذيلها من قوله ( ع ) و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه ألى آخره فيما ينافي ذلك أما إن كان المراد به الدين كما حمله عليه بعض في ظاهر كلامه فهو أجنبي عما نحن فيه و سيأتي الكلام فيه و إن كان المراد به العين فكذلك لانه بمنزلة التصريح بمفهوم القيد المذكور في الصدر فمحصل مفاده أنه إن كان المال الغائب لم يكن خارجا عن تحت اختياره بل كان بحيث مهما أراد أن يأخذه أخذه كالمال المستودع و المذخور تحت ألارض و غير ذلك من الموارد التي لم يؤثر غيبته في الخروج عن تحت سلطنته الفعلية غرفا و هذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلق الزكاة جزما و إنما الكلام في الغيبة الموجبة لقطع سلطنته و الخروج من تحت تصرفه بالفعل عرفا كما في ميراث الغائب و المسروق و المغصوب و نحوها مما هو خارج بالفعل عن تحت تصرفه و لكنه قادر على إثبات اليد عليه بأستنقاذه من الغاصب أو الحضور في بلده و ألاستيلاء على أمواله التي ورثها من قريبه في حال غيبته و الروايات المزبورة دلت بظاهرها على عدم تعلق الزكاة بهذه الاموال و عدم دخولها في الحول حتى يصل إليها و لا ينافي ذلك تعلقها بالقسم ألاول الذي لم ينقطع عنه سلطنته بغيبته و بهذا يظهر الجواب عن الدعائم أيضا إذا المنساق منه ليس إلا إرادة هذا النحو من الغيبة هذا مع ما فيه من ضعف السند إن قلت مقتضى إطلاق قوله و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه عدم الفرق في المال الغائب الذي يقدر على أخذه بين كونه مسبوقا بالعجز كما هو محل الكلام و عدمه قلت قد إشرنا إلى إن هذه القضيه بمنزلة التصريح بمفهوم القيد المذكور في الصدر فيكون محصل مفاده إن ذلك الموضوع المفروض موضوعا للصدر لو لم يكن له هذا الوصف أي عدم القدرة بل كان قادرا على أخذه و لكنه لم يفعل متعمدا فعليه زكاته فالمال الذي لم يكن قادرا على أخذه ثم قدر عليه خارج عما هو المفروض موضوعا لهذه القضيه كما يفصح عن ذلك مضافا إلى موافقته لقاعدة أخذ المفاهيم إيجاب الزكاة عليه لكل ما مر من السنين إذ لو لم يكن المفروض موضوعا في هذه القضيه متصفا بالقدرة على أخذه من سنين غيبته لم يكن يثبت له هذا الحكم على الاطلاق كما لا يخفى إن قلت سلمنا خروج ما كان مسبوقا بالعجز عما هو المفروض موضوعا لهذه القضيه و لكن يفهم حكمه منها بتنقيح المناط حيث يستفاد منه إناطة الحكم بالقدرة على ألاخذ و هي حاصلة في الفرض و كونها مسبوقة بالعجز قادح في ذلك قلت بل المناط على ما يستفاد من ألاخبار المتقدمة هي السلطنة الفعلية و هي منقطعة عرفا فيما هو المفروض موضوعا في القضيه المزبورة و أما المال المنقطع عنه بسرقة و نحوها فلا تعود السلطنة الفعلية عليه عرفا إلا بإثبات يده عليه بالفعل و لا يكفي فيه مجرد قدرته عليه فلا يقاس هذا بذاك فضلا عن أن يفهم حكمه منه بتنقيح المناط ثم لو سلم ظهور هذه الموثقة في كفاية القدرة على إثبات اليد و عدم اعتبار كونه بالفعل تحت يده فنقول إن رفع اليد عن هذا الظاهر يحمله على