ذلك ان المقصود بالحصر في مثل هذه الروايات الاحتراز عن سائر الاشياء التي يتوهم منافاته للصوم لا مطلقا بحيث يعم بعض مصاديق الاكل كما يومى اليه قول الصادق عليه السلم في خبر ابى بصير الصيام من الطعام و الشراب و الانسان ينبغى له ان يحفظ لسانه عن اللغو و الباطل في رمضان و غيره و الحاصل انه لا يفهم من مثل هذه الاخبار ما ينافى تعلق الحكم بالاجتناب بطبيعة الاكل و الشرب من حيث هى نعم قد يوهمه خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلم عن ابائه ان عليا عليه السلم سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم قال ليس عليه قضأ لانه ليس بطعام حيث ان المتبادر منها ارادة نفى الباس عنه لعدم كونه مما يؤكل و لكن الظاهر عدم إرادة هذا المعنى منه و لذا لا يفهم منه انه لو أكل الذباب اختيارا حتى شيع لا يبطل بذلك صومه بل المراد به انه في مثل الفرض ليس بطعام يعنى لا يسمى أكلا نظير ما ورد في صحيحة ابن ابى يعفور من تعليل نفى الباس عن الاكتحال بانه ليس بطعام اذ الظاهر ان المراد به ان الاكتحال ليس أكلا لا ان الكحل ليس من جنس الماكول و الا لفهم منه فساد الصوم فيما لو اكتحل بدقيق و نحوه مما هو مما يؤكل مع انه لا يفهم منه ذلك بل يفهم عدمه و لو سلم ظهور مثل هذه الاخبار في نفى الباس عن أكل مالايعتاد أكله فلا ينبغي الالتفات اليه بعد شذوذ القول به على تقدير تحققه في مقابل ما عرفت و الله العالم و يجب ايضا الامساك عن الجماع المتحقق بإدخال الحشفة او قدرها من مقطوع الذكر كما تقدم البحث عنه في مبحث غسل الجنابة و ان لم ينزل في القبل للمرأة إجماعا كما صرح به واحد و يدل عليه ظاهر الكتاب و السنة اما الكتاب فقوله تعالى احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم و أنتم لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم و عفا عنكم فالا ان باشروهن و ابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا و اشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم اتموا الصيام إلى الليل و لا تباشروهن و أنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله الاية فان ظاهرها بل كاد ان يكون صريحها وجوب الامساك في اليوم بعد طلوع الفجر عن جميع المذكورات التي احلها الله تعالى في الليل و هي مباشرة النساء و الاكل و الشرب و فى تفريع قوله تعالى فالان باشروهن على ما قبله اشعار بكونه محظورا في صدر الاسلام و قد من الله تعالى على المسلمين بان وضع عنهم هذا التكليف و احله لهم ليلة الصيام و قد وقع التصريح بذلك في بعض الاخبار الواردة في بيان سبب نزول الاية مثل ما عن على بن إبراهيم في تفسيره مرفوعا قال قال الصادق عليه السلم كان النكاح و الاكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعنى كل من صلى العشاء و نام و لم يفطر ثم انتبه حرم عليه الافطار و كان النكاح حراما بالليل و النهار فى شهر رمضان و كان رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه و اله و سلم يقال له خوات بن جبير اخو عبد الله بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا و كان صائما فابطات عليه إمرأته فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لاهله قد حرم على الاكل في هذه الليلة فلما اصبح حضر حفر الخندق فاغمى عليه فراه رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم فرق له و كان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا فى شهر رمضان فانز الله احل لكم ليلة الصيام و عن السيد المرتضى قدس سره سره في رسالة المحكم و المتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلم و نحوه و عن الكشاف و البيضاوى انه كان في أول فرض الصوم اذا امسى الرجل حل الاكل و الشرب و الجماع إلى ان يصلى العشاء الاخرة او يرقد فإذا صليها او رقد و لم يفطر حرم عليه ذلك إلى القابلة ثم ان عمر واقع أهله بعد صلوة العشاء الاخرة فلما اغتسل لام نفسه فاتى النبي صلى الله عليه و اله و سلم و اعتذر اليه من نفسه و اخبره بما فعل فقال صلى الله عليه و اله و سلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بما كانوا صنعوا بعد العشاء فنزلت الاية و ما في هذين التفسيرين من حليته أول الليل قبل النوم و الصلوة مخالف لظاهر الخبر المروي عن الامام عليه السلم و ان كان يوهمه صدره و كيف كان فالآية و لو بمعونة ما ورد في تفسيرها نص في المدعى و اما السنة فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت ابا جعفر عليه السلم يقول لا يضر الصائم اذا اجتنب اربع خصال الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء إلى ذلك من الاخبار الكثيرة التي سيمر عليك عند التعرض لاحكامه انشاء الله و عن الجماع في دبر المرئة اما مع الانزال فمما لا شبهة فيه بل لا خلاف فيه بني العلماء كما صرح به بعض و يشهد له فحوى ما سيأتي من الافطار بالانزال بغير الوطى و اما بدونه فكذلك على الاظهر الاشهر بل المشهور كما فى الجواهر بل عن الخلاف و الوسيلة الاجماع عليه و عن المعتبر انه أشهر الروايتين و عن الغنية الاجماع على الفساد بالجنابة عمدا فيدخل فيه الجماع في دبر المرئة كما عرفته في مبحث الجنابة و يدل على المدعى عموم الاية الصحيحة المتقدمة الدالة على وجوب الاجتناب عن مباشرة النساء التي يكنى بهاف في مثل هذه المورد عن نكاحهن كلفظ اتيان الاهل و نحوه من الكنايات الواردة في الاخبار الاتية و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت ابا عبد الله عليه السلم عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمنى قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع و صحيحته الاخرى عن أبي عبد الله عليه السلم قال سئلته عن رجل عبث بامرئته و هو محرم من غير جماع أو فعل ذلك في شهر رمضان فقال عليهما من الكفارة مثل ما على الذي يجامع و مرسلة حفص بن سوقة عن أبي عبد الله عليه السلم في الرجل يلاعب أهله او جاريته في قضأ شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان و مضمرة سماعة قال سئلته عن رجل اتى أهله في رمضان متعمدا فقال عليه عتق رقبة و إطعام ستين مسكينا و صيام شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم وانى له مثل ذلك اليوم و رواية عبد السلام بن صالح الهروي الاتية إلى غير ذلك من الاخبار التي وقع فيها الحكم معلقا على عنوان النكاح او الوطى او اصابة الاهل و نحوها من العناوين الصادقة على الوطي في الدبر و انصراف مثل هذه الاخبار إلى الوطي الموجب للانزال أو خصوص الوطي في القبل ان سلم فبدوى يزول بعد الالتفات إلى سببية نفس الجماع من حيث هو للجنابة و الافطار في الجملة و ان الدبر احد الماتيين الذين رتب الشارع عليهما أحكام الجماع كمايشهدله مرسلة حفص بن سوقة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلم عن الرجل يأتى أهله من خلفها قال هو احد الماتيين فيه الغسل فانها كالنص في ان الاحكام الثابتة للجماع تترتب على الوطي في الدبر ايضا لانه احد فرديه و من هنا يعلم انه يفسد صوم المرأة ايضا اذ الجماع موجب لفساد صوم الطرفين لا خصوص الرجل بلا خلاف في ذلك و لا إشكال كما سيتضح لك ذلك في مبحث الكفارات و لا يصلح المعارضة