الروايات ألامرة بألاغنياء كصحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته كم يعطي الرجل الواحد من الزكاة قال أعطه حتى تغنيه و موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل كم يعطي الرجل من الزكاة فقال قال أبو جعفر عليه السلام إذا أعطيت فأعنه و موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لابي الحسن موسى ( ع ) أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما قال نعم و زده قلت أعطيه مأة قال نعم و أغنه إن قدرت على أن تغنيه و موثقته ألاخرى قال قلت لابي عبد الله عليه السلام أعطي الرجل من الزكاة مأة درهم قال نعم قلت مأتين قال نعم قلت ثلاثمأئة قال نعم قلت أربعمائة قال نعم قلت خمسمأة قال نعم حتى تغنيه و ما رواه الكليني بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال قلت لابي عبد الله عليه السلام إن شيخا من أصحابنا يقال له عمر سئل عيسى بن أعين و هو محتاج فقال له عيسى بن أعين أما إن عندي من الزكاة و لكن لا أعطيك منها فقال له و لم فقال لاني رأيتك اشتريت لحماوتمرا فقال إنما ربحت درهما فأشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا ثم رجعت بدانقين لحاجة قال فوضع أبو عبد الله عليه السلام يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال إن الله تبارك و تعالى نظر في أموال الاغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الاغنياء ما يكتفون به و لو لم يكفهم لزادهم بل يعطيه ما يأكل و يشرب و يكتسي و يزوج و يتصدق و يحج إلى ذلك من النصوص المرخصة في ألا غناء و أما القول الاخر فعمدة ما يصح ألاستناد اليه هي إن الزكاة شرعت لسد فاقة الفقراء و رفع لحاجتهم و هذا لا يقتضي استحقاق الفقير منها أزيد من مقدار كفايته بل يقتضي عدمه كما يؤيد ذلك بل يشهد له ما دل على أن الله فرض للفقراء في أموال الاغنياء ما يكتفون به و لو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم فإنه يستفاد من مثل هذه ألاخبار إن الله تعالى لم يجعل لهم أزيد من مقدار حاجتهم و يؤيده أيضا الروايات الواردة في ذي الكسب القاصر مثل قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب و يأخذ البقية من الزكاة و خبر هارون بن حمزة قال ( ع ) فلينظر ما يفضل منها فيأكل هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله و كذا قوله ( ع ) في موثقة سماعة إذا كان صاحب السبعمأة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه و ليأخذها لعياله فإنه يستشعر من مثل هذه ألاخبار بل قد يستظهر منها قصر الرخصة على أخذ البقية خاصة و يؤيده أيضا ما دل حتى على إن الفقير الذي عنده قوت شهر أو شهرين له أن يأخذ قوت سنة معللا ذلك بأنها من سنة إلى سنة فإنه يفهم من التعليل المزبور نفي استحقاق ما زاد عن سنة و يتوجه على جميع ما ذكر إنه لا ينبغي الالتفات إلى شيء من مثل هذه ألاشعارات الغير البالغة مرتبة الدلالة في مقابل المعتبرة المستفيضة المتقدمة و لو سلمت دلالتها على المدعي فغايتها الظهور الغير الناهض لمكافئة تلك ألاخبار التي كادت تكون صريحة في جواز جمع الزائد عن مؤنته كما ستعرف و قد يجاب عما ذكر بأنه لا منافاة بين هذه الروايات الظاهرة أو المشعرة بعدم جواز أخذ ما يزيد عن الكفاية و بين الروايات المتقدمة التي جعل فيها ألا غناء غاية للرخصة بل هي أيضا مؤيدة للمطلوب إذ الغنى يتحقق بدفع ما يكفي لمؤنته و لذا لا يجوز دفع ما زاد على هذا المقدار ثانيا بعد أن دفع أليه أولا بمقدار كفايته فما زاد على هذا المقدار زائد عن حد ألا غناء فلا تدل الروايات المزبورة على جوازه بل تدل على عدمه لزيادته عن الحد المرخوص فيه و يدفعه أن المنساق من ألا غناء المأمور به في تلك ألاخبار هو ألا غناء العرفي الرافع لحاجته عن تناول الصدقات مثل أن يعطيه ضيعة أو عقارا أو مقدارا من المال الذي يتمكن معه من شراء مثل ذلك أو الاكتساب به على وجه يعد في العرف من الاغنياء الغير المحتاجين في مؤنتهم إلى الغير لا الغنى المقابل للاحتياج الفعلي المانع عن أخذ الصدقات المقصود مدته على ما قبل أن يصرف شيئا من المال الموجب لغناء في نفقته إذ لا غنى بمثل هذا الغنى الذي هو في معرض الزوال بمضي يوم أو يومين أو شهر أو شهرين عن ألاحتياج إلى تناول الزكاة فلو سلم صحة إطلاق إسم الغنى عليه في العرف فهو خارج عن منصرف إطلاقه جزما مع أن بعض ألاخبار المزبورة كرواية أبي بصير نص في جواز أخذ الفقير من الزكاة زائدا عما يحتاج اليه في أكله و شربه و كسوته بمقدار ما يتمكن من التزويج و الصدقة و الحج و ذكر هذه الامور في الرواية جار مجرى التمثيل أريد به بيان جواز تناول الفقير من الزكاة زائدا عن ضروريات معاشه بمقدار ما يتمكن معه من القيام بمثل هذه المصارف العظيمة من ضرورة عرفية ملجأة إليها و كذا موثقة إسحاق المرخصة في إعطاء ألاربعمأة و الخمسمأة فإنها تدل على إن المراد بإلاغناء هو ألا غناء العرفي الذي لا يتحقق عادة بإعطاء الخمسمأة لا مقدار الكفاية لمؤنة سنة الذي كان الغالب حصوله في تلك الاعصار بإقل من ذلك خصوصا بالنسبة إلى ذي الكسب القاصر أو الواجد لبعض مؤنته هذا مع إن إطلاق الرخصة في إعطاء الخمسمأة لرجل من إستفصال عن زيادتها عن مؤنته بنفسه كاف في إفادة المدعى فلا ينبغي ألاستشكال فيه خصوصا بعد اعتضاد ظواهر النصوص المزبورة بفهم المشهور و فتواهم بل ربما يظهر من كلماتهم عدم الخلاف في جواز إعطاء الزائد عن كفاية سنة بالنسبة إلى الفقير الذي ليس له حرفة أو صنعة لائقة بحاله و إنما الخلاف في ذي الكسب القاصر كما يشعر به عبارة المتن و غيره و قد حكي عن الشهيد في البيان أنه أستحسن القول بألاقتصار على ما يتم كفايته ثم قال و ما ورد في الحديث من ألا غناء بالصدقة محمول على المكتسب و أورد عليه في المدارك بأن هذا الحمل ممكن إلا إنه يتوقف على وجود المعارض و لم نقف على نص يقتضيه نعم ربما أشعر به مفهوم قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب و يأخذ البقية من الزكاة لكنها صريحة في المنع من الزائد انتهى أقول بل و لا ظاهرة فيه أيضا و إنما هو مجرد إشعار بالغ حد الدلالة و كذا رواية هارون بن حمزة المتقدمة كما تقدمت الاشارة أليه فلا تنهضان شاهدا لارتكاب التقييد أو التخصيص في أخبار ألا غناء مع ما فيها من قوة الدلالة على العموم بملاحظة ما فيها من ترك ألاستفصال بل الظاهر كون خبر أبي بصير واردا في ذي الكسب القاصر فإن قوله إنما ربحت درهما مشعر بكونه من أهل الكسب و كيف كان فألاظهر ما هو المشهور من عدم لزوم الاقتصار على التهمة و لكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه كما إن ألاحوط إن لم يكن أقوى ترك ألافراط في ألا غناء بأن يعطي لواحد ما لا خطيرا زائدا عما يحتاج أليه عادة في تعيشه فإنه خارج عن منصرف النصوص و الفتاوى بل مناف لحكمة شرع الزكاة و الله العالم و من فروع هذا الباب إنه قد تحل الزكاة لصاحب الثلاثمأة