مصباح الفقیه جلد 3
لطفا منتظر باشید ...
معلومة بل قد يستشعر أو يستظهر من المتن التفصيل حيث جعل محل الخلاف التمر و الزبيب دون الحنطة و الشعير فهو مشعر بالمفروغية عن صدق الاسم فيهما الذي هو مناط الوجوب عنده و منها عمومات وجوب الزكاة خرج ما خرج و بقي الباقي و قد يقال في تعريب هذا الدليل أن مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء مطلقا أو أدلة تعلق الزكاة بالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب أي الاخبار الحاصرة للزكاة في هذه الاجناس لا تنهض لتقييدها لان المتبادر منها إرادة الاجناس ألاربعة في مقابل الاجناس الاخر دون العنب و الرطب مثلا و فيه أنه ان أريد بالعمومات ما كان من قبيل آية الصدقة و أشباهها فهي أحكام مجملة لا مصرح للاخذ بعمومها بعد ورود الاخبار المستفيضة أو المتواترة المبينة لما تجب فيه الزكاة و حصرها في الاجناس التسعة الزكوية و إن أريد بها ما كان من قبيل ما سقته السماء ففيه العشر و ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر ففيه أنه لم يقصد بالموصول في مثل هذه الاخبار العموم أو الاطلاق بل هي إشارة إلى الاجناس الزكوية المعهودة أي الغلات الاربع كما أفصح عن ذلك قوله ( ع ) في صحيحة زرارة ما أنبتت الارض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أوساق ففيه العشر و ما كان منه يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح فنصف العشر و الحاصل ان دعوى استفادة وجوب الزكاة في الحصرم و العنب و البسر و الرطب من مثل هذه الادلة مجاز فيه بل هي ناشئة من متابعة المشهور فلو كانت الشهرة بخلافه لم يكن يتوهم أحد كون هذه الادلة منافية له و منها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا و هذه الصحيحة تدل على ثبوت الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق لو قدر زبيبا فيتم فيما عداه بعدم القول بالفصل و أورد عليه في محكي الذخيرة بأن لمفهوم الصحيحة أحتمالين أحدهما إناطة الوجوب بحاله ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق حال كونه زبيبا و ثانيهما إناطته بحالة بقدر له هذا الوصف و الاستدلال بها إنما يتم على ظهور الثاني و هو في موضع المنع بل لا يبعد ادعاء ظهور الاول إذ اعتبار التقدير خلاف الظاهر انتهى و أجاب عنه في مفتاح الكرامة بما لفظه و فيه ان حاصل الوجه الاول انها تجب في العنب إذا كان زبيبا و من المعلوم زوال وصف العنبية عن كونه زبيبا كما تقول تجب صلاة الفريضة على الصغير إذا كان كبيرا و أنت خبير بسقوط مثل هذا التعبير عن درجة الاعتبار فلا بد من المصير إلى التقدير إذا ورد مثله في الاخبار و الاعتذار بأنه تساهل في التعبير باعتبار ما يؤل اليه كما في الاسناد إلى النخل مما لا يعول عليه و لا يصغى اليه كما هو واضح لمن وجه النظر اليه و في الاسناد إلى النخل دلالة أخرى هي أولى بالاعبتار و أحرى إذ الظاهر من الاسناد اليه إرادة ثمرة إذ هو أقرب المجازات و اشهرها بل المشهور منها بل لم يعهد إطلاقه على خصوص التمر بحيث لم يرد غيره مما تقدمه من البسر و الرطب إلى أن قال على أنه لو كان المراد منه التمر وحده لا ما قبله لا وجه للعدول عن التمر إلى النخل لانه لا يسوغ إلا للاخصرية والاظهرية أو حكمة أخرى هي بالمراعات أحرى و لا شيء من ذلك بموجود في المقام انتهى أقول الحق إن العبارة المذكورة في الرواية قابلة للمعنيين كما ذكره في الذخيرة و لكن الظاهر كون كلمة زبيبا تميزا لا حالا عن أسم يكون و على أي حال فأما أن يكون المراد بكونه خمسة أوسق زبيبا كونه كذلك بالفعل أي خمسة أوسق من الزبيب أو بالقوة بان يكون بمقدار لو جف لكان خمسة أوسق و الاول أي إرادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ و لكن لا يناسبها لفظ العنب الذي أخذ موضوعا لهذا الحكم لزوال وصف العنبية عند أتصافه بصفة الزبيبية فلا يصح الحمل الا بإرادة معنى الصيرورة من لفظ يكون و هو مخالف للاصل كما إن إرادة الثانية من قوله حتى يكون خمسة أوسق زبيبا أيضا كذلك فيتعارض الاحتمالان و يشكل ترجيح أحدهما على الاخر و أما ما قيل من أن في الاسناد إلى النخل دلالة على إرادة ثمرته مطلقا فيدل على ثبوتها في البسر و الرطب ففيه إن قوله حتى يبلغ خمسة أوساق الذي هو شاهد على هذا التقدير يجعله كالنص في أرادة خصوص التمر الذي هو معظم ثمرته و لعل النكتة في العدول عن التمر إلى النخل التنبيه على اعتبار النماء في الملك في ثبوت الصدقة فيه لا مطلق تملكه ثم لو سلم دلالة هذه الصحيحة على ثبوت الزكاة في العنب قبل جفافه فتمامية الاستدلال بها لمذهب المشهور موقوف على عدم القول بالفصل بينه و بين غيره من ثمرة النخل و الكرم و لم يتحقق ذلك بل قد سمعت نسبة القول بالتفصيل إلى إبن الجنيد و في المدارك اختياره و من هنا يظهر الخدشة في الاستدلال له بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى يبلغ و سقين و الوسق ستون صاعا مع اشتماله على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا و أستدل له أيضا بصحيحة سعد بن سعد قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب فقال خمسة أوساق بوسق النبي صلى الله عليه و آله فقلت كم الوسق قال ستون صاعا قلت فهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته و هذه الصحيحة صريحة في تعلقها بالعنب و ظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص و قد صرح الاصحاب بأن زمان الخرص من حين بدو الصلاح و أوضح من ذلك دلالة على ثبوت الزكاة من حين الخرص صحيحة سعد الاخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد فقال متى حلت أخرجها و عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا ما صرم و إذا كان خرص و نوقش في الاستدلال بهاتين الصحيحتين بإمكان كون الخرص الوارد فيهما بالحاء المهملة من حرص المرعى إذا لم يترك منه شيئا بل لعل هذا هو المتعين في الصحيحة الثانية إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام و الخرص بالمعجمة لاختلافهما جدا و من هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا أقول أما احتمال كون الحصر بالحاء المهملة فمما لا ينبغي الالتفات أليه بعد كونه من الكتب المعتبرة مرسوما بالمعجمة و لكن الجمع بينه و بين الصرام في الصحيحة الثانية في جعلهما شرطا للوجوب أوجب ألاجمال فيما أريد من الشرطين حيث لم يعلم بأن العبرة بتحقق كل من الفعلين في جميع الغلات الاربع أو بكل منهما على سبيل البدل بأن يكون الشرط حصول أحد الامرين فتكون الواو للترديد أو بحصول كل منهما في بعض منها على سبيل التوزيع أو أن المقصود بهما بيان زمان تنجز التكليف بالزكاة الذي تمكنه من معرفة مقدار الغلة و بلوغه حد النصاب بالاعتبار بالكل المتوقف على الصرام أو بالخرص فكانه قال متى صرمها أو عرف مقدارها بالخرص تنجز في حقه التكليف بتزكيتها فعلى هذا يتجه الاستدلال بها للمشهور حيث أن تنجز التكليف بالاخراج يتوقف على تعلق الزكاة بها من حيث هي من أول زمان إمكان معرفة مقدارها بالخرص و أن لم يتنجز