فأما أن يلزم به حكم فلا انتهى أقول أما جوازه في ثمرة النخل و الكرم فلا خلاف فيه على الظاهر بين أصحابنا بل عن المصنف في المعتبر و غيره دعوى اتفاق علمائنا و أكثر العامة على جواز الخرص على أصحاب النخيل و الكروم و تضمينهم حصة الفقراء و أما في الزرع فقد اختلفوا فيه كما صرح به واحد ففي المدارك بعد أن نقل عن المصنف و غيره دعوى اتفاق الاصحاب عليه في ثمرة النخل و الكرم قال و أختلف الاصحاب في جواز الخرص في الزرع أثبته الشيخ و جماعة لوجود المقتضي و هو ألاحتياج إلى ألاكل منه قبل يبسه و تصفيته و نفاه أبن الجنيد ( ره ) و المصنف ( ره ) و العلامة في المنتهى و التحرير لانه نوع تخمين و عمل بالظن فلا يثبت إلا في موضع الدلالة و لان الزرع قد يخفى خرصه لاشعار بعضه و تبدده بخلاف النخل و الكرم فأن ثمرتها ظاهرة فيتمكن الخارص من أدراكها و ألاحاطة بها و لان الحاجة في النخل و الكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ و الاقتطاف بخلاف الزرع فأن الحاجة إلى تناول الفريك قليلة جدا انتهى و أستدل في محكي المعتبر على جوازه في ثمرة النخل و الكرم بما روى من أن النبي صلى الله عليه و آله كان يعبث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم و ثمارهم و لان أرباب الثمار يحتاجون إلى ألاكل و التصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر أقول إنما يلزم من عدم شرع الخرص أي عدم تجويز الشارع العمل بالخرص و التخمين في تعيين مقدار حق الفقير و الحرج على المالك لو قيل بتعلق الزكاة بماله من حين بدو الصلاح و عدم جواز إخراج حق الفقير حتى يجففه و يجعله تمرا أو زبيبا و هذا مما لا يساعد عليه دليل بل الاصول و ألادلة بأسرها قاضية يخلافه و أنه متى وجب عليه الزكاة في ماله جاز له إخراجها و إيصالها إلى مستحقها و له الولاية على ذلك نفينا الاشكال من إخراج الرطب و العنب عن مثله فلا يلزم حينئذ من عدم جعل الخرص و التخمين حجة في حقه خرج أو ضرر عليه فأن له ما لم يعلم ببلوغ الثمرة سد النصاب الرجوع إلى البرائة و التصرف في جميعها ولدى علمه بالنصاب يجوز له إخراج عشر كل ما يحتاج إلى التصرف فيه للاكل أو غيره من مقاصده بالوزن أو الكيل من اعتماده في شيء من ذلك على الخرص و التخمين فألاستدلال لجواز الخرص بلزوم الضرر و الحرج لا يخلو من مناقشة خصوصا مع عدم مناسبة لمذهبه من أن وقت الوجوب وقت التسمية كما لا يخفى و كيف كان فما يدل على مشروعية الخرص مضافا إلى المرسل المتقدم في عبارة المعتبر المنجبر ضعفه بأشتهاره بين الخاصة و العامة قول أبي الحسن عليه السلام في صحيحة سعد بن سعد ألاشعرى في العنب إذا خرصه أخرج زكاته و هذه الرواية يدل على جوازه و لو من الساعي و صحيحته ألاخرى عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا صرم و إذا خرص و في خبر رفاعة المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى إلا أن تغمضوا فيه فقال إن رسول الله صلى الله عليه و آله بعث عبد الله بن رواحة فقال لا تخرصوا أم جعرور و لا معا فارة و كان أناس يجيئون بتمر أسود فأنزل و لستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه و ذكروا إن عبد الله خرص عليهم تمرا أسود فقال النبي صلى الله عليه و آله يا عبد الله لا تخرص أم جعرور و لا معا فارة و في خبر إسحاق بن عمار المروي عنه أيضا قال كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطرة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و فيه عذوق يسمى ألجعرور و عذق معا فارة عظيم نواهما دقيق لحاهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله صلى الله عليه و آله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون لا يأتون بهما فأنزل الله تعالى يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتهم إلى قوله تنفقون و في خبر أبي بصير المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل يا أيها الذين إلى آخره قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا أمر بالنخل أن يزكي يجيئ قوم بألوان من التمر و هو من أردء التمر يؤدونه عن زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعافارة قليل اللحم عظيم النوى و كان بعضهم يجيئ بهما عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه و آله لا تخرصوا هاتين التمرتين و لا تجيئوا منهما بشيء و في ذلك نزل و لا تيمموا الخبيث منه تنفقون و لستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيها و ألاغماض فيه أن يأخذ هذين التمرين و يستفاد من صحيحة سعد بن سعد الثانية مشروعيته في جميع الغلات الاربع كما أنه يستفاد من صحيحته الاولى جوازه في ثمرة الكروم و مما عداهما من ألاخبار في النخل فالقول بعدم جوازه في ثمرة النخل و الكرم ضعيف أللهم إلا أن يناقش في دلالة الصحيحة الثانية بأبداء بعض ألاحتمالات التي تقدم ذكرها عند التعرض لبيان وقت الوجوب مع الاشارة إلى ما فيها من المخالفة للظاهر فليتأمل .
تنبيهات ألاول : وقت الخرص حين بدو الصلاح على ما صرح به واحد بل عن المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى ظهور الاجماع عليه و مما يؤيد هذه الدعوي أن المصنف ( ره ) مع أن مختاره أن حد تعلق الزكاة التسمية لا بدو الصلاح صرح في محكي المعتبر بأن وقت الخرص بدو الصلاح مستدلا عليه بأنه وقت ألامن على الثمرة من الجائحة غالبا و بما روي أن النبي صلى الله عليه و آله كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا للنخل حين يطيب و إن كان قد يتوجه عليه الاشكال فيما جعله فائدة للخرص من أن الخارص يخيير أرباب الثمرة بين تضمينهم حق الفقراء و بين تركه أمانة في يدهم فأن أختاروا الضمان كان لهم التصرف كيف شاؤوا و إن أبوا جعله أمانه لم يجز لهم التصرف بألاكل و البيع و الهبة لان فيها حق المساكين إلى ذلك من الفروع التي أوردها فيما حكي عن معتبره مما لا يناسب مذهبه و لذا اعترض عليه في الحدائق و غيره بذلك و كيف كان فالظاهر عدم الخلاف في أن وقت الخرص هو بدو الصلاح و أما إن ثمرته جواز تصرف المالك مع الضمان و عدمه بدون الخرص أو دون الضمان فقد عرفت ما فيه حتى على القول بتعلق الوجوب من حين بدو الصلاح فضلا عن القول بعدم تعلق الحق به إلا بعد التسمية .
الثاني : صفة الخرص على ما صرح به في الجواهر و غيره أن يدور الخارص بكل نخلة أو شجرة و ينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ثم يقدر ما يجيئ منه تمرا أو زبيبا و يعتبر في نفوذه على المالك رضاه بذلك و إلا فله ترك الاعتماد على قول الخارص و العمل بالكيل و الوزن في إخراج حصة الفقراء بل هذا هو ألاحوط فأن غاية ما يمكن إثباته إنما هو جواز التعويل على ما أدى أليه نظر الخارص في تفريغ ذمته عن حق الفقراء لا لزومه بحيث لم يجز له ترك الاعتماد عليه و الرجوع إلى سائر الطرق المفيدة للعلم بمقداره كما هو واضح .
الثالث : قال في محكي المعتبر لو زاد الخرص كان للمالك و يستحب له بذل الزيادة و به قال أبن الجنيد ( ره ) و لو نقص فعليه تحقيقا لفائدة الخرص و فيه تردد لان الحصة في يده أمانة و لا يستقر ضمان الامانة كالوديعة انتهى أقول الظاهر إن المقصود بهذا الفرع بيان ما لو أنكشف زيادة الثمرة عما أدى اليه نظر الخارص أو عكسه لا ما إذا أتفق حصول النقص بآفة سماوية فأنه قد تعرض لحكم هذه الصورة في الفرع الذي