الحجاج في العراق
وبعد ان أخضع الحجاج مكة والمدينة ،علم عبد الملك بأنّ العراقيين يناسبهم شخص كالحجاج يقمعهم ويسيطر عليهم، ولهذا ولاّه عام 75 العراق ـ الكوفة والبصرة ـ وعندما جاء الكوفة لم يتصرف كما هو المعهود لدى الأُمراء، فقدمها وصعد المنبر متلّثماً بعمامته متنكباً قوسه وكنانته، فجلس على المنبر ملياً لايتكلم.
وأخذ الناس يتهامسون من هذا؟ فقال أحدهم: لنحصبه؟ فقالوا: لا أصبرحتى نسمع ما يقول؟
وما أن ساد الصمت أجواء المسجد أماط الحجاج اللثام عن وجهه وقال: واللّه إنّي أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وانّي لصاحبها، كأنّي أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى. ثمّ استمر في تهديده وأرعب الناس رعباً شديداً حتى الحصباء التي جمعها رجل ليحصبه بها تناثرت من يده دون أن يشعر! (1)
وقد كان دخول الحجاج البصرة بنفس الطريقة التي دخل بها الكوفة وقد وصف ابن قتيبة ذلك: توجّه الحجاج ومعه ألفا رجل من مقاتلة الشام و جملتهم آلاف من أخلاط الناس، وتقدّم بألفي رجل وتحرّى دخول البصرة يوم الجمعة في حين أوان الصلاة، فلمّـا دنا من البصرة أمرهم أن يتفرقوا على أبواب المسجد، على كلّ باب مائة رجل بأسيافهم تحت أرديتهم، وعهد إليهم ان إذا سمعتم الجلبة في داخل المسجد والوقيعة فيهم، فلا يخرجن خارج من باب المسجد حتى يسبقه رأسه إلى الأرض. فجلس رجاله على أبواب المسجد ينتظرون، ودخل الحجاج و
1-الكامل في اللغة والأدب، المبرد: 1/311; الكامل في التاريخ:4/375; مروج الذهب:3/127; تاريخ اليعقوبي:3/19; تاريخ تحليلى إسلام، ص 184; الفتوح: 7/6 اعثم الكوفي.