الانتخاب والتخطيط
وعليه فليس عجيباً أن نقرأ في التاريخ: انّه حينما حج أبو مسلم كان أهل البادية يفرّون منه كلّما مر عليهم، لأنّهم سمعوا الكثير عن سفكه للدماء!(1)
الانتخاب والتخطيط
إنّ ما قلناه حول رفض الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ لاقتراح قادة الثورة العباسية يتلخّص في أنّ أصحاب الاقتراح لم يكونوا متمتعين بالصلاحية والجدارة الكافية لثورة دينية وعقائدية أصيلة، ولم يكونوا من القوات والطاقات الأصيلة التي يمكن من خلالها قيادة ثورة إسلامية خالصة، ولو كانت هناك قوات وطاقات أصيلة وعقائدية بالقدر المطلوب لكان الإمام ينتخب الثورة لا محالة.
وبعبارة أُخرى: انّ الإمام الذي كان يفهم الأُمة من الناحية الفكرية والعملية، ويدرك الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بها، ويعرف محدودية قدرته وإمكاناته التي كان يمكن في ضوئها بدء نضال سياسي، لم يكن يرى القيام بالسيف والانتصار بالسلاح كافياً في إقامة حكومة إسلامية، لأنّ إعداد القوات للهجوم العسكري فقط لا يكفي لتشكيل حكم إسلامي خالص، بل كان لابدّ أن يسبق ذلك إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وعصمته ويعرفهما بشكل كامل، ويدرك أهدافه العالية، ويدافع عن مخططه لتكوين الحكومة، ويحرس الانجازات التي تحقّقها للأُمة .
الحوار الذي دار بين الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ وأحد أصحابه يوضح لنا مفاد ما قلناه آنفاً; فقد روي عن سدير الصيرفي أنّه قال: دخلت على أبي عبد اللّه ـ عليه السَّلام ـ فقلت له : واللّه ما يسعك القعود؟
فقال: «ولِمَ يا سدير؟».
1- وفيات الأعيان:3/148.