التاريخ والصراع الطبقي
واحد هو الذي يحدد مسار حياة الإنسان على مر التاريخ.وقد حاول البعض أن يجعل محرك التاريخ منحصراً في عامل واحد. وهناك ممن يحملون نظرة ضيقة يدرس جانباً واحداً من حياة الإنسان لا كلّ الجوانب وكأنّ هذا البعض قد أقسم بأن لا يقدم أكثر من عامل واحد لتكامل وتطور تاريخ الإنسان ، أو انّه اعتبر عامله الذي يطمح إليه مفتاحاً سحرياً يمكنه أن يفتح جميع أبواب التاريخ المغلقة، فهم ولأجل أن لا يظهروا بمظهر أصحاب النظرة الضيقة يقدمون دائماً عاملاً واحداً ـ كالعامل الاقتصادي ـ على أنّه هو السبب الرئيسي لجميع الأحداث ويجعلون العوامل الأُخرى في الدرجة الثانية من ناحية التأثير.
إنّ الذين لا يعتقدون بوجود أكثر من عامل واحد محرك للتاريخ هم أُناس سذج بسطاء أُحاديو النظرة والرؤية ، ويكتفون بجانب واحد فقط، ويستأنس فكرهم بعامل واحد من العوامل الصانعة للتاريخ، ويغفلون عن العوامل الأُخرى، أو انّ أفكارهم الحزبية والسياسية ساقتهم إلى الاعتقاد باقتدار عامل خاص ـ الصراع الطبقي ـ وان يحسبوا العوامل الأُخرى ثانوية فوقية لا أساسية.
التاريخ والصراع الطبقي
اعتقدت الماركسية بأنّ تاريخ المجتمع الإنساني حصيلة صراع طبقي لطبقات مسحوقة وقسّمت الشعوب في العالم إلى فئتين:
فئة مرتبطة بالنظام الكلاسيكي، وهي ترى أنّ مصلحتها تكمن في بقاء ذلك النظام.
وفئة مناضلة ترى أنّمصلحتها في تقويض النظام السائد الحاكم.
إنّ هذا النوع من التفسير لتحولات وتغييرات الإنسان يدلّ على حصر نشاطات الإنسان في الرغبات المادية الدنيوية.
وفي الوقت الذي توجد ميول وغرائز أُخرى ضمن هذا الإطار تميل إلى أنّ شرف وقيمة الإنسان أعلى وأرقى من أن يفكر في إطار مصالحه المادية الضيق وأن يعتبر حركة التاريخ معلولة لبطنه وشهوته فقط.
إنّ صفحات التاريخ الإنساني تشهد لمناضلات وجهود شخصيات قديرة وكبيرة تناولت مقبض السيف وضحّت بأرواحها وأبنائها في سبيل الحفاظ على القيم الإنسانية ومكافحة الأوضاع الدينية والأخلاقية المتردية ومعالجتها.
والتاريخ خير شاهد على ذلك، ويشهد انّ كثيراً من الحروب والصراعات التي نشبت لمحو النظام الطبقي ـ و بعبارة أصح لاسترجاع حقوق المستضعفين من المستكبرين الجبابرة ـ قد تمت تحت قيادة رجال أحرار نهضوا بدافع حب الإنسان وحفظ حقوقه، بل وأكثر من ذلك بدوافع دينية إلهية.
وتروي آيات القرآن بصراحة انّ الشخصيات المؤمنة والمستضعفة والفقيرة كانت تشكّل الجزء الأكبر من أصحاب الأنبياء ـ عليهم السَّلام ـ والتي حاربت لدثر الشرك وآثاره المدمّرة وإيصال الإنسان إلى درجة راقية درجة التعلّق باللّه تعالى والارتباط به، حتى أنّ أحد اعتراضات الطغاة المستكبرين على الأنبياء هو التفاف الفقراء والمستضعفين حولهم.(1)
وعندما نقرأ حول نهضة خاتم الرسل ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ودعوته نجد انّ طغاة عصره ومستكبريه يشترطون للإيمان بالإسلام أن يطرد الفقراء والمستضعفين من حوله.
ولذلك نهى اللّه تعالى الرسول عن طرد هذه الفئة التي حملت أعباء الدعوة على عاتقها نزولاً عند رغبة بعض المستكبرين.(2)
من يتصفّح التاريخ يجد هناك فئتين من البشر:
1-فقد قال أعداء هود ـ عليه السَّلام ـ له : (ما نَراكَ اتَّبعك إِلاّالّذين هم أَراذِلُنا بادي الرَّأي ) (هود/27).
2-(وَلا تَطْرُدِ الَّذينَ يَدْعُونَ ربَّهُمْ بِالغداة وَالعشي) (الأنعام/52).