سباق الرماية
ومن المؤكد انّه لو كان بلاط هشام مركزاً لتربية العلماء ومنتدىً للخطباء لكان من الممكن أن يستدعي العلماء البارزين ويقيم مجلساً للبحث والمناظرة، غير انّهشاماً لم يفكّر بإقامة مثل هذا المجلس من حيث إنّ بلاط أكثر الملوك الأمويين ـ و منهم هشام ـ كان يخلو من مثل هؤلاء العلماء دائماً وقد أخذ الشعراء والقصّاصون مكانهم، ولأنّه كان يعلم جيداً انّه لو أراد أن يواجه الإمام من خلال المطارحة والمناظرة العلمية لما كان يستطيع أحد من رجال بلاطه أن يتغلّب عليه، ولهذا السبب قرر أن يواجه الإمام في صعيد آخر يعتقد بحتمية انتصاره فيه.
نعم قرّر هشام ـ و بكل غرابة ـ أن يقيم سباقاً في الرماية، ويدخل الإمام في ذلك السباق على أمل أن يهزم ويفشل فيه، وبالتالي يستصغر في أعين الناس.
ولأجل تحقيق هذا الهدف أخذ يحثّ بعض أشياخ قومه بنصب غرض ـ هدف ـ و رميه، وذلك قبل دخول الإمام القصر، ثمّ دخل الإمام القصر وجلس قليلاً، فنظر هشام وقال: ألا تريد أن ترمي مع أشياخ قومك.
قال الإمام: «إنّي قد كبرت عن الرمي، فهل رأيت أن تعفيني؟
فقال هشام ـ وهو يظن انّالفرصة المناسبة قد سنحت وانّه قرب الإمام الباقر من الهزيمة ـ: وحق من أعزّنا بدينه ونبيه محمد ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لا أعفيك.
وفي الوقت ذاته أومأ إلى شيخ من بني أُميّة أن أعطه قوسك، فتناوله الإمام والسهم معه، فوضع سهماً في كبد القوس، ثمّانتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه، ثمّ رمى فيه الثانية فشق فواق سهمه إلى نصله، ثمّ تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضها في جوف بعض، فأثار ذلك العمل العجيب إعجاب الحاضرين واستحسانهم.