مناظرة مع يحيى بن الأكثم
ولمّا قدم المأمون بغداد من طوس بعث برسالة إلى الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ يدعوه بالقدوم إلى بغداد، وطبعاً كانت هذه الدعوة دعوة ظاهرية كدعوته الإمام الرضا ـ عليه السَّلام ـ إلى طوس، وفي الواقع هي إحضار جبري، قبل الإمام الدعوة، وبعد عدّة أيام من دخوله بغداد دعاه المأمون إلى القصر واقترح عليه الزواج بابنته أُمّ الفضل، فسكت الإمام(2)، واعتبر المأمون سكوته علامة لرضاه، وقرّر أن يهيّأ مقدّمات ذلك.
وقد كان ينوي أن يقيم احتفالاً غير انّ انتشار هذا الخبر بين العباسيين أحدث ضجة، فاجتمعوا وقالوا للمأمون بلهجة مزيجة بالغضب: ننشدك اللّه أن تقيم(3)على هذا الأمر الذي عزمت عليه، فانّا نخاف أن يخرج به عنّا أمر قد ملّكناه اللّه عزّوجلّ وينزع منّا عزّاً قد ألبسناه اللّه، وقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم (العلويين) قديماً وحديثاً، وقد كنّا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، فكفانا اللّه المهم من ذلك، فاللّه اللّه أن تردّنا إلى غمّ قد انحسر عنّا.
1-كان يحيى من علماء عصر المأمون المشهورين الذي أصبحت شهرته بالعلوم والاطّلاع عليها حديث العامة والخاصة، وكان متضلعاً بالفقه كثيراً، ومع أنّ المأمون كان يتمتع بعلمية عالية، لكنّه ولكثرة إعجابه بمستوى يحيى العلمي منحه مسؤولية ادارة الحكم مضافاً إليه منصب القضاء وتولّي ديوان المحاسبات والاهتمام بالفقراء، وعلى أيّة حال كانت جميع أعمال الدولة الإسلامية الكبيرة في تلك الفترة تحت إشرافه، وبلغ من المكانة في بلاط المأمون منزلة كأنّه لم يكن هناك أقرب إليه منه، غير انّه وللأسف ومع ماله من منزلة علمية كبيرة وقد عجز عن مجاراته العلماء، لكنّه لم يكن يتمتع بشخصية روحية معنوية، إذ انّه قد تعلم للوصول إلى المنصب والشهرة وللتفاخر والتكبّر على الآخرين.
2-سنتحدث فيما بعد حول زواج الإمام الجواد ـ عليه السَّلام ـ .
3-المراد أي: أن لا تقيم.