المأمون والاعتزال
بعضها يوافق أحدث الآراء الانتقادية في الدين مع مرور الأجيال على تمحيصها ولذلك فهم يسمّون أصحاب العدل والتوحيد.
المأمون والاعتزال
ظهر مذهب الاعتزال في أواخر القرن الأوّل للهجرة وكثر أشياعه بسرعة لارتياح العقل إلى أدلّته، وقد تقدم في كلامنا عن الفقه انّ المنصور أخذ يناصر الرأي والقياس، واستقدم أبا حنيفة إلى بغداد ونشطه لهذه الغاية، وظل الميل إلى القياس متواصلاً في بني العباس والاعتزال أقرب المذاهب إلى أصحاب الرأي، لأنّ عمدة المعتزلة في إثبات مذهبهم بالبرهان العقلي، ولذلك كانوا إذا رأوا رجلاً مطّلعاً على منطق أرسطو أو أقواله في الجدل ونحوه استعانوا بما يسمعونه منه في تأييد مذهبهم، واحتاجوا إلى ذلك خصوصاً في أيّام المهدي لدفع أقوال الزنادقة كما تقدّم، فلعلهم احتاجوا إلى الاستعانة بمنطق اليونان وفلسفتهم،أو شعروا باحتياجهم إليها على الأقل وأخذوا في انشاء علم الكلام.
وكان البرامكةمن أصحاب الرأي أيضاً وفيهم ذكاء وميل إلى العلم، فاشتغلوا في ترجمة الكتب القديمة قبل المأمون، وكانوا يعقدون مجالس المباحث والمجادلة في منازلهم، ولكن يظهر انّالرشيد لم يكن يوافقهم على ذلك فلم يتظاهروا به.
فلمّا أفضت الخلافة إلى المأمون (198ـ 218هـ) تغيّـر وجه المسألة ،لأنّه مع فطنته وسعة علمه، شديد الميل إلى القياس العقلي، وقد تعلم وتفقّه وطالع ما نقل إلى عهده من كتب القدماء فازداد رغبة في القياس والرجوع إلى أحكام العقل، فتمسّك بمذهب الاعتزال وقرب إليه أشياخه، كأبي الهذيل العلاف وإبراهيم بن سيار النظام وجالس المتكلّمين فتمكن من مذهب الاعتزال.