عبد اللّه فاستأذنت له، فقال أبو عبد اللّه: لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة(1)لالتقي معه فيه غداً إن شاء اللّه، فخرجت إلى هشام فأخبرته بمقالته فسّر واستبشر وسبقه إلى الموضع الذي سمّاه.
ثمّ رأيت هشاماً بعد ذلك، فسألته عمّا كان بينهما؟
فأخبرني انّه سبق أبا عبد اللّه إلى الموضع الذي كان سمّّاه له، فبينا هو إذا بأبي عبد اللّه قد أقبل على بغلة له، فلمّا بصرت به وقرب مني هالني منظره وأرعبني حتى بقيت لا أجد شيئاً أتفوّه به، ولانطق لساني لما أردت من مناطقته، ووقف عليّ أبو عبد اللّه ملياً ينتظر ما أكلّمه، وكان وقوفه عليّ لا يزيدني إلاّ تهيّباً وتحيراً، فلمّا رأى ذلك مني ضرب بغلته وسار حتى دخل بعض سكك الحيرة.(2)
ويوجد هنا عدة نقاط هامة في هذه القضية:
الأُولى: هو وجود الموهبة والقدرة العالية في التباحث والمناظرة في هشام ممّا جعل عمه يتخوّف، ويعبّر عن ذلك الاستعداد بالخباثةوالرداءة، وكان يشعر ـ جهلاً بمنزلة الإمامة السامية ـ بالقلق حيال هذه المواجهة ممّا جعله يفاتح الإمام في ذلك منذ البداية .
الثانية: رغبة هشام وتعطّشه العجيب لطلب المعرفة والعلم والتعلّم أكثر لدرجة انّه لا يفوّت أية فرصة في هذا السبيل ويستغل كلّفرصة تسنح له، وبعد العجز عن الإجابة على أسئلة الإمام يجدد لقاءه معه ويسبقه في اللقاء الأخير إلى محل اللقاء، وهنا يتجلّى بوضوح عطشه واشتياقه الكبير.
1-نظراً إلى أنّ الحيرة كانت واحدة من مدن العراق وكان هشام يسكن الكوفة، فلعل هذا اللقاء كان قد تم في إحدى أسفار الإمام الاجبارية إلى العراق.
2-اختيار معرفة الرجال، الطوسي، 256; هشام بن الحكم مدافع حريم ولايت، الصفائي ص 15.