وكان عمرو قد شارك في حرب بدر وجرح فيها، ولهذا السبب لم يشارك في حرب أحد، فجاء الآن إلى حرب الخندق معلّماً ليمتاز عن الآخرين، وبعد ان عبر الخندق رفع صوته بنداء هل من مبارز؟ وحينما لم ينهض أحد من المسلمين لمواجهته، تجرأ أكثر واستهزأ بعقائد المسلمين وقال: تقولون إنّمن يقتل منكم في الجنةو من يقتل منّا في النار، فهل من أحد أرسله إلى الجنة أو يرسلني إلى النار؟ ثم ّ أنشد أشعاراً قال فيها:
ولقد بححت من النداء
لجمعكم هل من مبارز
لجمعكم هل من مبارز
لجمعكم هل من مبارز
وكان قد بلغ الرعب والخوف من صيحات عمرو المتوالية في قلوب المسلمين درجة ممّا جعلهم يتسمّرون في مكانهم عاجزين عن الحراك وعن أية ردة الفعل.(1)
وكان كلّما يرتفع نداء عمرو للمبارزة كان عليٌّ ـ عليه السَّلام ـ هو الوحيد الذي يقوم ويستأذن الرسول ليذهب إلى ساحة القتال، غير انّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لم يكن يوافق، وقد تكررت هذه الحالة ثلاث مرّات، وفي المرة الأخيرة التي استأذن علي ـ عليه السَّلام ـ فيها قال له رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ :« انّه عمرو بن عبدود» فقال علي:« وأنا علي».(2)
وفي النهاية وافق نبي الإسلام وأعطاه سيفه وألبسه عمامته، و ما أن انطلق عليٌّ ـ عليه السَّلام ـ إلى ساحة القتال، قال رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ : «برز الإسلام كلّه إلى الشرك كله».(3)
وتوضيح هذه العبارة بشكل جيد انّ انتصار أحد هذين المقاتلين على الآخر يكون انتصاراً للكفر على الإيمان أو للإيمان على الكفر.
1-وقد صوّر الواقدي رعب المسلمين بهذه العبارة: كأنّ على رؤوسهم الطير . المغازي:2/470.
2-شرح نهج البلاغة:13/284 .
3-البحار:20/215.