وكان المتوكل جالساً مجلس الشراب، فأُدخل عليه الإمام والكأس في يده، فلمّا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس التي كانت في يده.
فقال: «واللّه ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني» فأعفاه.
فقال: أنشدني شعراً.
فقال الإمام:« أنا قليل الرواية للشعر».
فقال: لابدّ، فأنشده الإمام ـ عليه السَّلام ـ :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
واستنزلوا بعد عزّ عن معاقلهم
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
أين الوجوه التي كانت منعّمة
فافصح القبر عنهم حين ساء لهم
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا
وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم
وطالما كنزوا الأموال وادّخروا
أضحت منازلهم قفراً معطلة
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
غلب الرجال فما أغنتهم القلل
فاودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
أين الأسرّة والتيجان والحلل؟
من دونها تضرب الأستار والكلل؟
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
فخلّفوها على الأعداء وارتحلوا
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
1-مروج الذهب:4/11; نور الأبصار:166; تذكرة الخواص: 361; وفيات الأعيان، ابن خلكان:3/272; مآثر الإنافة في معالم الخلافة:1/232، ويوجد بعض الاختلاف في عدد الأبيات بين المؤرّخين.