مجمع البیان فی تفسیر القرآن جلد 4
لطفا منتظر باشید ...
و الدليل على أن الهدى قد يكون إلى الثوابقوله «وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِاللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْسَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ» ومعلوم أن الهداية بعد القتل لا تكون إلاإلى الثواب فليس بعد الموت تكليف و قد وردت الرواية الصحيحة أنه لما نزلتهذه الآية سئل رسول الله (ص) عن شرح الصدرما هو فقال نور يقذفه الله في قلب المؤمنفينشرح له صدره و ينفسح قالوا فهل لذلك منأمارة يعرف بها قال (ص) نعم الإنابة إلى دارالخلود و التجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت (و ثانيها) أن معنى الآية فمن يرد الله أنيثبته على الهدى يشرح صدره من الوجه الذيذكرناه جزاء له على إيمانه و اهتدائه و قديطلق لفظ الهدى و المراد به الاستدامة كماقلناه في قوله «اهْدِنَا الصِّراطَالْمُسْتَقِيمَ» «وَ مَنْ يُرِدْ أَنْيُضِلَّهُ» أي يخذله و يخلي بينه و بين مايريده لاختياره الكفر و تركه الإيمان«يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً»بأن يمنعه الألطاف التي ينشرح لها صدرهلخروجه من قبولها بإقامته على كفره فإنقيل إنا نجد الكافر غير ضيق الصدر لما هوفيه و نراه طيب القلب على كفره فكيف يصحالخلف في خبره سبحانه قلنا أنه سبحانه بينأنه يجعل صدره ضيقا و لم يقل في كل حال ومعلوم من حاله في أحوال كثيرة أنه يضيقصدره بما هو فيه من ورود الشبه و الشكوكعليه و عند ما يجازي الله تعالى المؤمن علىاستعمال الأدلة الموصلة إلى الإيمان و هذاالقدر هو الذي يقتضيه الظاهر (و ثالثها) أنمعنى الآية من يرد الله أن يهديه زيادةالهدى التي وعدها المؤمن «يَشْرَحْصَدْرَهُ» لتلك الزيادة لأن من حقها أنتزيد المؤمن بصيرة و من يرد أن يضله عن تلكالزيادة بمعنى يذهبه عنها من حيث أخرج هونفسه من أن يصح عليه «يَجْعَلْ صَدْرَهُضَيِّقاً حَرَجاً» لمكان فقد تلك الزيادةلأنها إذا اقتضت في المؤمن ما قلناه أوجبفي الكافر ما يضاده و يكون الفائدة في ذلكالترغيب في الإيمان و الزجر عن الكفر و هذاالتأويل قريب مما تقدمه و قد روي عن ابنعباس أنه قال إنما سمى الله قلب الكافرحرجا لأنه لا يصل الخير إلى قلبه و فيرواية أخرى لا تصل الحكمة إلى قلبه و لايجوز أن يكون المراد بالإضلال في الآيةالدعاء إلى الضلال و لا الأمر به و لاالإجبار عليه لإجماع الأمة على أن اللهتعالى لا يأمر بالضلال و لا يدعو إليه فكيفيجبر عليه و الدعاء إليه أهون من الإجبارعليه و قد ذم الله تعالى فرعون و السامريعلى إضلالهما عن دين الهدى في قوله «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَ ماهَدى» و قوله «وَ أَضَلَّهُمُالسَّامِرِيُّ» و لا خلاف في أن إضلالهماإضلال أمر و إجبار و دعاء و قد ذمهما اللهتعالى عليه مطلقا فكيف يتمدح بما ذم عليهغيره قوله «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِيالسَّماءِ» فيه وجوه (أحدها) أن معناه كأنهقد كلف أن يصعد إلى السماء إذا دعي إلىالإسلام من ضيق